«عرفان» الشيخ أحمد الزين

لم أشترِ هذه المرة أي كتاب من بيروت، فلقد كان الوقت قصيرا لأقضي الوقت الكافي في المكتبات لأتمعن وأختار ما يناسبني. ولربما قصدت أن لا أزور المكتبات كي لا أضيف إلى ما لدي من كتب تنتظر القراءة. لكن مع هذا عدت من بيروت بكتاب جديد أهدتني إياه مؤلفته السيدة رغدة النحاس – أستاذة اللغة العربية في الجامعة الأميركية في بيروت. والكتاب هو “أحمد عارف الزين… رائد إصلاحي من جبل عامل”. وقد كان الكتاب أصلا رسالة ماجستير قدمت عام 1996 أشرف عليها الدكتور نديم نعيمة، والذي عرفته شخصيا من خلال كوني أحد طلابه في أول السبعينات في درس اللغة العربية – المقرر على جميع طلاب الجامعة العرب. أذكر أن “فجر الإسلام” لأحمد أمين كان المرجع الأساسي، وأذكر كم كان الدكتور نعيمة محفزا ومثيرا للعقول والعواطف في طرحه للأسئلة. لا شك في أنه ساهم في إزالة الغبار عن كثير من العقول التي تشكلت في بيئة التعليم الحكومي في الدول العربية.

اشتهر الشيخ أحمد الزين بتأسيسه مجلة “العرفان” عام 1909، أي بعد سنة من إعادة العمل بالدستور العثماني والذي سمح بإصدار الصحف وأعاد جواً من الحرية النسبية، لذا ذكر الزين في العدد الأول لـ”العرفان” ولما انتشرت أشعة الحرية على أرض المملكة العثمانية، انبرى فريق من حملة الأقلام أصحاب الأفكار النيرة إلى إنشاء هذه المجلة، لأني رأيت الوطن بحاجة ماسة إلى ذلك، وخصوصا الطائفة الشيعية، فإنه لم يكن آنذاك صحيفة تنشر بها اعتقاداتها الصحيحة وتترجم مشاهير رجالها وتدفع ما يتقوله الجاهلون”.
ويبدو أن استمرارية “العرفان” منذ عام 1909 حتى سنة وفاته عام 1960 ترجع إلى تملك المجلة مطبعة استطاع الشيخ الزين أن يستوردها من ألمانيا عام 1911 لتطبع فيها المجلة، ولتقديم خدمات الطباعة للناشرين والتجار. وهناك أكثر من بحث أكاديمي حول مجلة “العرفان” ودورها التنويري على لبنان والمنطقة العربية. ويتضح دورها التنويري من المواضيع التي تنشرها وممن تنشر لهم. فقد نشرت عام 1913 مقالا لشريف عسيران عن نظرية النشوء والارتقاء لتشارلز داروين، ومقالا عن الفلسفة العقلية والمادية لعبد العزيز الجواهري عام 1912. وعلى مدى صدورها، نشرت لشعراء وكتاب كبار مثل بشارة الخوري ومحمد مهدي الجواهري، وحافظ إبرهيم وأحمد شوقي وخليل مطران ورشيد سليم الخوري، ومن النساء فدوى طوقان ونازك الملائكة وماري حداد وإدفيك شيبوب ولميعة عباس عمارة.
لا شك في أن الشيخ أحمد الزين كان على درجة عالية من العلم والتقدير ليجذب هذه الأسماء لتصب في “عرفانه” وأن يكون نيرا منفتحا على العلم و المعرفة ليشمل ما تنشره “العرفان” مواضيع حول نظرية التطور لداروين. هذا الشيخ الذي يعتبر رائدا من رواد التنوير ولد في بلدة شحور في جبل عامل وتربى تربية دينية محافظة. أسس “العرفان” كمجلة تجمع ما بين علمانية “المقتطف” التي أسسها يعقوب صروف و فارس نمر عام 1876والتوجه الإسلامي لـ “المنار” التي أسسها محمد رشيد رضا. إن مجلة “العرفان” وبتعبير الدكتور وجيه كوثراني كانت محاولة لنقل جيل عامل من الهامش إلى المتن.
وبعد أكثر من مئة عام من تأسيس “العرفان”، أصبح جبل عامل هو المتن أو المركز في لبنان، لكن بدون أنوار “العرفان”.

(النهار)

السابق
بالصور: تعرفوا على صاحبة الخصر الأنحف في العالم
التالي
قاسم سليماني «إله».. من رمل وطحين