٣ ساعات في الرابية

ميشال عون

تتصارع في غرف مقر إقامة الجنرال ميشال عون في الرابية ساعات ثلاث، “تتكتك” كل منها بتوقيت مختلف عن الاخرى.

الساعة الأهم هي ساعة عون البيولوجية. عبر الجنرال ثمانينه ما لم يكن اكثر. لم يعد الضغط هنا وليد الاستحقاقات الدستورية او المهل. ضغط السماء، بعد عمر طويل، على الرجل الذي لا تشيب احلامه ولا تفتر شهيته لما يرى نفسه مستحقاً له. معركة الرمق الأخير لمن ما عاد يملك الا الرمق الأخير. لا يساوم من هو في موقعه الان، خصوصا اذا توفر لعناده بيئة حاضنة عند الحلفاء.

يسخر ممن يذكرونه بإتفاق الدوحة. يسخر من حلفائه ومن خصومه. من يستطيع إيصال غيري ليجرب حظه. الثمانون فرصة وعبء. يمسك بها حلفاءه: الان هنا هو القرار او السقوط في خانة الغدر بمن لن يحلم حزب الله بغطاء كغطائه. والثمانون عبء، حين تبلغ خيانات الجسد مداها، رغم ان جل ما يقال في توصيف وضع الجنرال الصحي ووعيه وتركيزه في بيئة خصومه غير دقيق.

ساعة الوزير والصهر جبران باسيل، اقل تأثرا بضغط ساعة البيولوجيا. عين الرجل، كما عمه، على اشهر حاسمة في الإقليم. لكنها عين تعيش بعيداً عن ضغط العمر. لا يستعجل الأمور بقدر استعجال الجنرال. هاجسه الوحيد حماية الجنرال من ان يُدفع الى تسوية قبل أوانها. يتصرف جبران باسيل على قاعدة ان الجنرال يملك من الوقت ما يكفي قبل ان تحمله تسوية في الإقليم الى بعبدا، وعينه على مكان آخر.

يتابع تفاصيل الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران. حوّل الجزء الأكبر من وظيفة وزير الخارجية الى مقر رصد جدي لمناخات عواصم العالم حول ملفات الاشتباك الرئيسية.
يرصد خرائط خطوط الطاقة كرئيس مجلس ادارة شركة تنقيب.

انه النفط. يعرف جبران ان مهندساً لا يرث جنرالاً في بلادنا. يعرف اكثر ان العسكر الذي صنع زعامة عمه، ليس ثروة قابلة للتوريث. يقول الرجل انه لو قيض له متابعة ملف النفط كما يريد، فسيحول هذه الثروة الوطنية الى باب لصناعة أسطورة مسيحية خارج الجيش والكنيسة والأحزاب التقليدية. يريد جبران ان يصبح عبر ملف النفط “حريري الموارنة”! لا يقل الرجل طموحاً عن عمه. مصاب هو الاخر بمرض الأحلام الكبيرة. وكما عمه براغماتي شرس مغلف بشعبوي عقائدي، ويهوى اللعب على الحافة. لكنها هذه المرة لعبة على حافة العمر.

هنا تدخل الساعة الثالثة. ساعة الصهر الثاني للجنرال العميد شامل روكز، الذي يعيش تحت ضغط استحقاق التقاعد الوظيفي خلال سبعة اشهر على ابعد تقدير. التسوية المحلية الان قد تأتي به قائدا للجيش. انتظار تسويات الإقليم يستنزف فرصته في الداخل. لكن الرجل ليس بلا أوراق. يعلم شامل روكز، ويعلم ان الجنرال يعلم، ان فرصة حماية “البيت ومصالحه وأدواره” تمر عبره قائدا للجيش وليس عبر جبران باسيل. القائد شامل روكز يحمي جبران باسيل وزيراً. العكس غير صحيح. ما يحمي توزير جبران باسيل، رغم كفاءته كوزير وسياسي، هو الجنرال عون نفسه. غياب الجنرال، بعد عمر طويل، سيترك باسيل فريسة كل القوى السياسية في البترون، الأصدقاء قبل الخصوم. بطرس حرب، القوات اللبنانية، الكتائب، المردة والمستقبل (غير متأكد!). كلها قوى تملك حسابات للتصفية مع جبران باسيل. القائد شامل روكز يحمي جبران من هؤلاء جميعاً. وساعته تقول ان اي خطأ في التوقيت يطيّر قيادة الجيش والوزارة وكل ما بناه ميشال عون.

ساعة الاستحقاق البيولوجي، ساعة استحقاق التسوية وساعة الاستحقاق الوظيفي، ساعات ثلاث تتصارع على تقرير مصير بيت سياسي اكتسب صفة التمثيل المسيحي ولم يزل واختطف وجدان واحدة من أقوى الأقليات في تاريخ المنطقة، في لحظة تواجه فيها هذه الأقليات استحقاقات وجودية.

ليس واضحاً ساعة من ستربح. لكن الساعة اتية لا ريب فيها.

(المدن)

السابق
هكذا ستردّ إيران على صفعة العرب
التالي
لبناني يصنع «الاسلام الجميل» في اوستراليا ووسام تقديرًا له