جمال أو بشاعة؟

ما هو الجمال وما هي البشاعة وكيف نعيّن الحدود بينهما؟ في الأيام القليلة الماضية لقّنتنا وسائل التواصل الحديثة أمثولة في القدرة على إعادة تشكيل المفاهيم وفي إمكان أن يصير أقصى القبح أقلّ بشاعة بل ومصدر إلهام. عَلّمتنا ان الفُسحات الرمادية أكثر صُدقا أحياناً من البياض والسواد.

تقول الحكاية التي شغلَت أكثر من منصّة إخبارية عالميّة ان شابة بإسم فيلاسكيز تحوّلت في مراهقتها وغصباً عنها، إلى بطلة شريط مصوّر على “يوتيوب” حيث سمّيت “أقبح امرأة على وجه الأرض” لتصير تالياً مثال القبح الخالص بسبب وجهها المشوّه وملامحها الخارجة على المألوف وعينها الفاقدة للنور. لم يأبه صانع السَبق المُصوّر بإصابة الشابة بمرض نادر منعَها من اكتساب الوزن ودفع بها خارج المقاييس الجماليّة. لكن للقصة وللمفارقة تتمة مُغبطة تُخبر أن الشريط الذي جرى تداوله على نحو واسع وجعل الشابة موضوع سخرية لم يأتِ على روحها. إتّخذت فيلاسكيس الحادثة المباغتة ذريعة لتستحيل اليوم ناشطة وكاتبة مسموعة تناهض كل أصناف الإساءة.

هل هي مصادفة أن تحمل الشابة المنبوذة من المرايا شهرة فيلاسكيس مِثل الرسام الإسباني الذي دأب في لوحاته يتلاعب بمفهوم المرايا؟ لا يسعنا تقديم إجابات وافية، لكن الحكاية الفرديّة تستدرجنا إلى أكثر من مطرح يخصّنا جميعاً.
نتوقّف أولاً عن قدرة وسائل الإعلام الجديدة على التسويق للشيء وعكسه، على جعل الفتاة قبل أعوام مصدر تهكّم وعلى جعلها اليوم مثالاً يُحتذى. تجرّعت فيلاسكيس سمّ الإنتشار السريع الذي توفّره وسائل الإعلام الحديثة، واستخدمت الأسلوب عينه لتبدّل المقاربة. والحال ان المنصة التي جعلتها ضحية هي عينها التي سخّرتها لترفعها إلى مستوى المُلهمات.
نتوقّف ثانياً عند موروثاتنا الثقافية التي ترسم الحدود بين ما نعدّه جميلاً وبين ما نصنّفه قبيحاً، عند التوق إلى الجمال العظيم. تجعلنا قصة فيلاسكيز نستعيد رواية “الرجل البطيء” للكاتب جنوب الإفريقي الحاصل على “نوبل” الآداب دجاي أم كويتزي ومحورها رجل يتعوّد على التعايش مع ساق واحدة، بعدما فقد الأخرى. في إحدى لحظات النص الجميل يتأمّل الكاتب كيف أن تمثال أفروديت المعروف بإسم “فينوس ميلو” بذراعه الواحدة يعدّ مثالاً للجمال الأنثوي. ولأنه يتردّد ان ذراعي السيّدة تعرضتا للكسر، صار جمال التمثال أكثر تأثيراً فينا بسبب هذا الفقد. يسأل الكاتب ماذا كان ليحصل إذا اكتشفنا غداً أن تمثال “فينوس ميلو” صُمم في الأساس على هذا النحو أي مبتور الذراعين؟ يجيب أن السحر سيذوب وأن الإفتتان سيتلاشى.
بنى كويتزي تجربته التأليفية على الإستفهام عن الجسد المتقهقر، الجسد المصاب بإعاقة والمشوّه والآيل إلى التلاشي. دفع بنا إلى شفا الأشياء، إلى أن نرى الجمال في كل ما افتقر إلى الكمال. ربما تصير حكاية ليزي استعارة معاصرة عن الكمال الناقص هي الأخرى.

(النهار)

السابق
الفيصل أمام سلمان والحريري: لا فرصة لـ«الجنرال»!
التالي
«أم المدارس» معلم تراثي في النبطية على طريق الزوال