الجنس بين الخوري والشيخ  

بداية، إسمحوا لي أن أوجّه تحية حبّ وتقدير للزميلة ريما كركي التي تدأب، بجرأة أدبية ورقيّ ساطع – في جملة ما تدأب عليه -، على كسر الهالة التي لا تُمس، المحيطة برجال الدين، لأيّ طائفة انتموا، فتفضح خبث بعضهم وذكورية البعض الآخر المهينة. ولا تعميم طبعاً.

أكتب ما اكتب اليوم، انطلاقاً من حلقتها الأخيرة حول الأبونا المقزّز، وتحرّشه بالصحافية التي زارته. وأكتب أيضاً وخصوصاً انطلاقاً من ردود الفعل على الحلقة الأولى من برنامجي “وإنتو؟” على شاشة تلفزيون “النهار”، وكانت بعنوان “الجنس مش عيب”. فمعظم التعليقات استهولت مضمون كلامي في سياق الحلقة، بناء على اعتبارات دينية تشدد على العفة والطهارة واحترام القوانين السماوية.
حسناً. ممتاز. الجنس عيب إذاً. ولكن لا عيب في تزويج القاصرات، طالما الدين يشرّع. ولا عيب في جرائم الشرف، طالما الدين راضٍ. ولا عيب في عقود المتعة، طالما الدين يبارك. أليس كذلك؟
طيّب، حتّام الخبث والازدواجية والضحك على العقول؟
ليس الجنس عيباً فحسب، من بعد إذنكم، بل إنه “الخطيئة الأصلية”. تالياً، هو الخطيئة العظمى التي يمكن الإنسان ارتكابها، على الأقلّ إذا صدّقنا الكتب الدينية. ومن هو المسؤول الأساسي عن هذا الانحلال المروّع؟ المرأة طبعاً. ما بدّها سؤال.
لا تُحصى النساء في مجتمعاتنا اللواتي ينشأن على فكرة أن أجسادهن ملك الزوج العتيد، وأنه لا يحق لهن حتى الحد الأدنى من القرار على هذا المستوى (وإن ثمة، لحسن الحظ، فئة متصالحة مع أجسادها في هذه البقعة من العالم التي نهشتها المحرّمات السخيفة).
إذاً، الجنس “عيب وخطيئة”. الأهم أنه لا ينبغي أن يمارَس سوى في إطار الزواج، خصوصاً، بل حصراً، في ما يتعلق بالنساء. مما يحملنا على التساؤل: مع مَن يمارس رجالنا الجنس قبل الزواج يا ترى؟ ثم، لمَ لا يربط الرجال أيضاً مفهوم شرفهم بأعضائهم التناسلية؟
ليس الجنس عيباً يا جماعة، بل طريقة تعاطينا معه، وخصوصاً الجهل والمعايير المزدوجة والنفاق المروّع في هذا التعاطي. ليس الجنس خطيئة، بل هو حاجة وحق، على ان يترافق مع نضج ووعي ضروريين. وليس الجنس هو الغاية في ذاته، بل حرية ممارسته أو عدمها، من دون أحكام وعواقب وعقوبات.
بين الخوري المتحرّش والشيخ الذكوري – وليسا إستثناءً كما نعلم -، مرجعنا في هذا الموضوع وسواه، عقولنا وكراماتنا الإنسانية، أولاً وأخيراً.
سؤال ختامي في رسم المستنكرين: هل سمعتم مرّةً بامرأةٍ عربيّة دقّت عنق أخيها لأنّه مارس الجنس قبل الزواج؟

(النهار)

السابق
خرائط توزيعات اللاجئين: لبنان مخيّم كبير
التالي
بعد مورفي، نعيم قاسم: عون أو الفراغ الشامل!