«الحرس الثوري الإيراني»: من أين وإلى أين؟

الحرس الثوري الإيراني

من يريد “قَص أجنحة الحرس الثوري؟”، كما قال مستشار قائد “الحرس”، حسين صفار هرندي، في الوقت الذي أصبحت فيه إيران “القوة الاقليمية الاولى في جنوب غربي آسيا من حيث ثقلها السياسي، والجيوسياسي والأمني”، كما يقول مستشار المرشد،   الجنرال رحيم صفوي، والأهم في مرحلة “ستسقط فيه أميركا وإسرائيل معاً في مستقبل قريب” كما يدّعي ممثل خامنئي في “فيلق القدس”، علي شيرازي، وهذا، كما أضاف “ليس شعاراً لأن النصر قريب، خصوصاً وان إيران  اكتسبت قوة  في العراق وافغانستان وباكستان والبحرين واليمن..، أما في لبنان وغزة فإن كلام السيد حسن نصرالله يرعب أميركا وإسرائيل”. أما الشكر لكل هذا التقدم فقد وُجّه إلى قائد فيلق “القدس” الجنرال قاسم سليماني، الذي هو “شوكة في عيون الأعداء”، والذي استحق بياناً موقعاً من ٢٠٨ نواب من أصل ٢٩٠ نائباً ثمّنوا فيه القيادة الذكية والقوية والشجاعة لقائد الفيلق الذي جعل منه “الذراع الضاربة للثورة”.

في إيران العميقة، اللغة المرمزة هي السائدة. لا أحد من الذين يتهمون او يدافعون او يضعون يدهم على “الجرح” يسمون الأشياء بأسمائها ويضعون النقاط على الأحرف، لذلك يجب البحث في كل ماسبق. هرندي أراد الرد على تصريح سابق للرئيس حسن روحاني، تحول، كما يبدو، إلى “كرة ثلج” كبيرة. ما يساعد على الانحدار بسرعة المفاوضات النووية التي أنتجت قبل التوقيع على الاتفاق، أو المصالحة التاريخية، بين واشنطن وطهران النزهة المشتركة بين وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد ظريف، ووزير الخارجية الأميركية، جون كيري، على جسر نهر الرون في جنيف؛ كل ذلك على وقع الأزمة الاقتصادية التي كان من أبرز مظاهرها تصريح المرشح الأسبق لرئاسة الجمهورية، عضو مكتب خامنئي، الشيخ ناطق نوري، أن “الخزينة الإيرانية تعاني من الإفلاس”، ولجوء الخزينة إلى “السحب من صندوق التنمية الوطنية، الذي يضم ٦٧ مليار، لسداد مستحقات المقاولين” كما اعترف وزير النفط بيان زنغنه.

“كرة الثلج” التي رماها روحاني جاء فيها : “إذا تركز السلاح والمال والصحف والمواقع الالكترونية والدعاية في مكان واحد سيكون هناك بالتأكيد فساد”. لم يقل روحاني من يقصد، لكن “حيثيات” مضبّطة الاتهام تشير إلى “الحرس”، وما عزز ذلك أن هرندي لم يجد ما يرد به على الرئيس روحاني سوى تساؤله “هل يمكن اتهامنا بالفساد، بسبب شخصين سيئين؟ يقول بعضهم بوجوب قَص ريش الحرس وأجنحته، إذ بات خطراً لأنه يمتلك سلطة وثروة، ووسائل إعلام”.

النائب القوي والجريء، علي مطهري، ذهب بعيداً إلى حيث لا يجرؤ الآخرون ، لأنه أبن آية الله مطهري، وشريك الإمام الخميني، وكان قد اغتيل في مطلع الثورة. فقال “الإمام الخميني أراد منع الحرس كتنظيم من التدخل في السياسة”. وأضاف “إن مدى مشاركته (الحرس) في الاقتصاد يجب أن يكون هدفها تولي مشاريع يعجز القطاع الخاص عن تنفيذها، وعليه الا يتحول إلى كارتل (احتكاري)”.

كبيران في السلطة فتحا الباب أمام تمدد “الحرس” إلى الاقتصاد، هما هاشمي رفسنجاني عندما كان رئيساً للجمهورية، وعلي خامنئي المسؤول عن الدفاع أثناء الحرب مع العراق. فالاحتياجات الحربية وضرورة تنفيذها بسرعة وسرية، دفعت الى اتخاذ قرار إدخال “الحرس” إلى القطاع الاقتصادي، انطلاقاً من  قطاع الحديد والإسمنت.

شيئاً فشيئاً تمدد الحرس الى ابرز القطاعات، مثل النفط والغاز والإنشاءات الضخمة والاتصالات. ومن الاقتصاد إلى السياسة، حيث الرابط بينهما تبادلي. وهكذا ضم مجلس الشورى عدداً من النواب الذين شكلوا كتلة “الصخرة ” (يقدر عدد أعضائها ب ٨٠ نائباً)، وانتخب أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية، وضمت حكومته حوالى ١٢ وزيراً، وما زال للحرس عددٌ أقل في حكومة روحاني، أبرزهم وزير الدفاع حسين دهقان.

الإيرانيون، حتى المعارضون لحكم ولاية الفقيه، لا يحبون حكم العسكر. أيضاً الانقلاب العسكري بعد وفاة المرشد أو استقالته بسبب وضعه الصحي ، ليس مستحيلاً وإن كان صعباً جداً. فالحرس قوي، لكنه أصبح ضمناً متعدد الاتجاهات والولاءات تبعاً للمصالح الاقتصادية والمواقع السياسية لجنرالاته، لذلك من الصعب تشكيل كتلة عسكرية تفرض الانقلاب، ولا تتعرض إلى المواجهة. أيضاً الجيش موجود، وهو إن لم يكن جزءاً من المجموعة التي ستنقلب، فلن يكون صفراً على الشمال. وهذا القرار ليس سهلاً، لأن معناه إعادة الجيش إلى قلب السلطة حيث شهيته قوية.

“تسونامي” التصريحات حول قوة الحرس وإمكاناته المبالغ بها، مثل “إغراق حاملة الطائرات الاميركية في ٢٠ ثانية”.. أو “أن السلاح الصاروخي يجب أن يُقلق واشنطن”، وما يتعلق بتضخيم موقع فيلق القدس وقائده، ليس كل ذلك، إلا لأنّ هذا الموقع، بعد الاتفاق النووي، لن يكون كما كان قبله.

الدستور واضح، ولن يكون من السهل اختراق سقفه بعد الاتفاق النووي و”سلة” الملفات التي ستحدد حدود دورها الإقليمي. إيران بحاجة للبناء من جهة، والسلطة تأخذ مسار الفصل بين السلطات. والأهم أن النظام، وإن كان على راْسه ولي فَقِيه، أو مجلس شورى من الفقهاء، لن يكون كما هو الآن مع خامنئي، الذي أمضى في موقعه ٢٥ سنة، إلى جانب المواقع السابقة، وأبرزها رئاسة الجمهورية، مما مكنه من إدارة السلطة بقبضة من حديد، لاسيما في السنوات الأخيرة.

التغيير قادم في إيران، وهو سيطال جميع مكونات النظام ومؤسساته وأدوارها، وبطبيعة الحال “الحرس الثوري”، بعدما أعطى البلاد الكثير، وأخذ أكثر مما ينبغي من السلطة.

المصدر:المدن

السابق
وفاة بدر عيد في مستشفى عكار
التالي
القاء قنبلة على منزل جندي في الجيش بعرسال