الحص يخرج عن صمته: الطائف خشبة خلاصنا

خرج عن صمته. الرجل المعتصم عن الكلام في المرحلة الأخيرة، المتسلح بالسكوت في زمن سياسي هو غير زمانه، اضطر الى خرق اعتصامه بالصمت، لأنه يرى أن الأحوال العامة في بلاد تسير بخطة ثابتة نحو درك أسفل، يخشى معه على السلم الأهلي في البلاد، وسط الرياح العامة للانفجار في المنطقة.

ليس لرجل كالرئيس سليم الحص أن يطيل السكوت في هذه الظروف. خرج عن صمته ليوجه النداء الوطني الذي تفرضه الأحوال لمحاولة كسر الركود الحكومي وخرق الفراغ الرئاسي. أما خشبة الخلاص فهي عبر التمسك بالطائف وتوحّد اللبنانيين وانتخاب رئيس جديد، توافقي.
حيّد الحص الرئيس تمام سلام عن واقع الأزمة في البلاد، وتفهّم «دوافعه الوحدوية» للحفاظ على إجماع مجلس الوزراء، الذي ما لبث أن تحوّل الى تعطيل لعمل المجلس. وقال الحص، في مؤتمره الصحافي الذي عقده في مكتبه في عائشة بكار لتوجيه ذلك النداء، إنّه يتفهّم الدوافع والنيّة الحسنة لدى سلام لقبوله بصيغة الإجماع التي اتبعت في مجلس الوزراء، إيماناً منه بالحفاظ على الوحدة الوطنية، «خصوصاً أننا نشهد شغوراً في سدة رئاسة الجمهورية». وأسف لكون البعض استغلّ حرص سلام على الإجماع الوطني «ليعمل على التعطيل والمناكفات السياسية، التي ارتدت سلباً على إنتاجية الحكومة على الصعيدين الوطني والاقتصادي. وفي هذا المجال، إذ نعلن تمسكنا باتفاق الطائف وتطبيق بنوده كاملة، خصوصاً في ما يتعلق بصلاحية رئيس مجلس الوزراء، وآلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، فإن المادة 65 من الدستور واضحة، فهي تحدّد الآلية الدستورية لاتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، إن على صعيد اجتماع مجلس الوزراء أو تسيير أمور المواطنين، أم على صعيد اتخاذ القرارات المصيرية كإبرام الاتفاقات أو في حالة الحرب والسلم أو حتى تعيين موظفي الدرجة الأولى».
وشدّد على أن «المطلوب هو تطبيق الدستور والالتزام ببنوده وليس خرقه، أو العمل على تفسيره كل على هواه بهدف تحقيق مكاسب شخصية أو طائفية أو حزبية»، مؤكداً أهمية إسقاط «كل الآليات المبتدعة التي تشكل خرقاً فاضحاً لما نص عليه الدستور حسب المادة 65 والتي نظمت آلية عمل الحكومة، خصوصاً في ظل شغور سدة الرئاسة الأولى».
وأسف لكون «الحياة السياسية في لبنان باتت تعاني شللاً غير مألوف على مختلف المستويات. ولقد أصبح خرق الدستور والعبث ببنوده أمراً عادياً لا بل محللاً عند البعض. وهذا يدفعنا الى الاعتقاد بأننا نعيش في حال من الفوضى والفساد من دون وازع أو رادع. بات لبنان غاباً بلا شريعة».
وشدّد على أنه «لا يوجد سبب ولا مسوّغ يمنع نواب الأمة من تأدية واجبهم الوطني والتاريخي بانتخاب رئيس للجمهورية، والمفارقة أن كل الدول والوفود الرسمية العربية والأجنبية التي زارت لبنان طالبت اللبنانيين بانتخاب رئيس للجمهورية، إلا أن اللبنانيين أنفسهم لا يعملون على تأدية هذا الواجب الوطني».
واعتبر أن البعض يعتقد أن الفراغ في سدة الرئاسة يصبّ في مصلحته. وذكر «هذا البعض، ان مصلحة لبنان الشعبي والرسمي ومصلحة الأجيال ومصلحة الدورة الاقتصادية والتجارية، هي التمسك بمؤسسات الدولة واستمرار عملها الإنتاجي وليس العمل على تعطيل تلك المؤسسات».
وحذّر من تأثر لبنان بما تشهده المنطقة قائلاً: «واهمٌ من يعتقد أن لبنان سيبقى بمنأى عما تشهده المنطقة العربية من عنف وتطرف وتغيير ديموغرافي، اذا بقيت الطبقة السياسية على هذه الحال من الانقسام والتشرذم والتعطيل. ومما لا شك فيه أن انتخاب رئيس توافقي للجمهورية يحصّن لبنان الوطن ومجتمعنا المتنوع من تداعيات وإرهاصات أزمات الإقليم والوطن العربي».
كما أسف لكون «حالة الشلل وتعطيل الإنتاجية وسياسة الكيدية المتبعة في لبنان، أفقدت شبابنا الإيمان بالوطن والانتماء اليه، ما أدى الى تطلع شبابنا للعمل والإنتاج خارج الوطن، لا بل إن قسماً كبيراً بات يفضل الهجرة على البقاء في الوطن، وهذا يجعلنا أمام حال من النزف وخسارة الثروة العلمية والفكرية والثقافية والإبداعية التي يتمتع بها شباب لبنان».
وتوجّه الى اللبنانيين مشدداً على أن «لبنان رسالة محبة وتسامح وتعاون بين مختلف الطوائف والأديان والمذاهب، وهذه المبادئ جعلت من لبنان وطناً متميزاً عن باقي بلدان المنطقة، وعنواناً للتعايش السلمي بين الطوائف والأديان المتعددة، تحمي بعضها بعضاً، ما شكل مصدراً هاماً لتلاقي الثقافات والحضارات».
وقال إنه «بفضل هذه المبادئ أصبح لبنان نافذة العرب على الغرب وبوابة الغرب الى الوطن العربي». ودعا الى الحفاظ «على إرثنا الحضاري والثقافي»، والارتقاء «بعملنا الى مستوى المسؤولية الوطنية»، وتقديم «مصلحة الوطن ومصلحة الشعب والأجيال على مصالحنا الذاتية أو الحزبية الضيقة، لأن أيّ خلل يصيب صيغة لبنان الحضارية والثقافية والتعايش والتسامح، يصبح لبنان مهدّداً وبشكل جدي كياناً ووطناً».

(السفير)

 

السابق
جريح في حادث سير على طريق الخردلي
التالي
التدفئة للتلامذة اللبنانيين.. والبرد للسوريين