«القاعدة» يجمع صفوفه في سوريا

«تنظيم القاعدة» يجمع صفوفه في سوريا، ويتجه إلى تشكيل كيان موحد أسوة بالفصائل الأخرى التي أعادت هيكلة نفسها، واصطفت كل مجموعة منها في إطار جبهة واحدة، من شمال سوريا إلى جنوبها.

غير أن تحرك «القاعدة» يمتاز بأهمية تفوق تحرك غيره من الفصائل المسلحة الأخرى، وقد يكون مؤشراً على أن المرحلة المقبلة، التي من المفترض أن يكون عنوانها الحرب البرية ضد «الإرهاب»، ستشهد العديد من التطورات غير المتوقعة.
وبعد تسريبات كثيرة من هنا وهناك عن نية «جبهة النصرة» القيام بخطوة ما، فسّرها كل طرف بما يناسب مصالحه، تأكد أمس، على لسان قائد كتيبة «سيف الله الشيشاني» أبو عبيدة المدني، أن الساحة «الجهادية» في سوريا ستشهد قريباً ولادة تحالف جديد يضم كلاً من «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «لواء المهاجرين» و «جيش المهاجرين والأنصار». لكن المدني لم يفصح عن طبيعة هذا التحالف وأهدافه، تاركاً الأمر إلى حين الإعلان الرسمي عن الموضوع.
والقاسم المشترك بين هذه الفصائل الأربعة أنها تحمل جميعاً جينات «القاعدة» في تكوينها وسلوكها، وحتى أدبياتها ومرجعياتها الدينية والشرعية، وهو ما يجعلنا أمام تحول بارز في المشهد «الجهادي» السوري، إذ بعدما كان المخطط في بداية الأزمة السورية هو التكتم على وجود «القاعدة» فيها، وعدم الكشف عنه، كما صرح بذلك زعيمه أيمن الظواهري في أحد تسجيلاته الأخيرة التي انتقد فيها زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش» أبو بكر البغدادي لأنه فضح الأمر إبان خلافه مع زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني، أصبح «القاعدة» يسعى إلى البروز وفرض نفسه رقماً صعباً في خضم التطورات والتحولات التي تمر بها المنطقة، لا سيما على صعيد الحرب الإقليمية والدولية المعلنة ضد «الإرهاب».
وجميع هذه الفصائل معروفة باستثناء «لواء المهاجرين»، الذي رغم تشكله قبل عام إلا أن اسمه ظل بعيداً عن التداول الإعلامي. وهو يحوي الفصائل التالية «جيش المهاجرين والأنصار» بقيادة صلاح الدين الشيشاني، و «كتيبة سيف الله الشيشاني» التي يقودها أبو عبيدة، و «كتيبة البخاري»، و «كتيبة التوحيد والجهاد»، و «مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني»، و «كتيبة الطاجيك»، و «كتيبة جنود الشام» التي يتزعمها القائد العسكري مسلم الشيشاني (أبو الوليد).
ومن المعروف أن «جيش المهاجرين والأنصار» يتبع إلى «إمارة القوقاز» التابعة إلى تنظيم «القاعدة»، وكشف بوقت سابق «أمير القوقاز» أبو محمد الداغستاني أن إرسال «المجاهدين» القوقازيين كان بهدف تشكيل فرع لـ «الإمارة» في بلاد الشام.
وكتيبة «سيف الله الشيشاني» بايعت «جبهة النصرة» التي تعتبر «فرع القاعدة في الشام». وقبل حوالي ثلاثة أشهر أعلنت «كتيبة البخاري» عن مبايعتها لأيمن الظواهري والملا عمر «أمير حركة طالبان» الذي يعتبر «الأمير العام» لجميع أفرع «القاعدة» في العالم. كذلك فإن مسلم الشيشاني مبايع لتنظيم «القاعدة» منذ أن كان يقاتل في الشيشان تحت راية القائد خطاب (ثامر سويلم)، وبالتالي نحن أمام خطوة تهدف إلى تجميع فصائل «القاعدة» وضمها إلى كيان موحد.
ويبقى حركة «أحرار الشام»، التي رغم ميولها «القاعدية» وانتهاجها نفس سياسة «القاعدة»، إلا أنها غير مرتبطة به ببيعة ملزمة. وكان قياديو الحركة يطرحون أنفسهم على أنهم يسعون إلى إصلاح التيار السلفي «الجهادي»، وتجديد مفاهيمه وأهدافه، ونقله من «جهاد النخبة» إلى «جهاد الشعوب». وتعرضت الحركة للكثير من التقلبات في منهجها بعد التصادم بين تيارين داخلها، الأول يريد الارتباط بـ «القاعدة» رسمياً، بينما لم يخف الثاني سعيه إلى التخلي نهائياً عن «السلفية الجهادية» نتيجة الويلات التي سببتها لشعوب المنطقة، وما زاد من التعقيد وجود تيار ثالث داخل الحركة يعتبر أقرب إلى «حركة الإخوان المسلمين».
لذلك فإن انضمام «أحرار الشام» إلى التحالف «القاعدي» الجديد سيعني غلبة التيار الأول داخلها، مع عدم إغفال أن هذه الغلبة قد تكون مؤقتة، ونتيجة التطورات التي تشهدها الساحة، خصوصاً أن الحركة مهددة بأن تكون على لائحة التحالف الدولي. وما يعزز ذلك أنه قبل عدة أشهر أعلنت «كتيبة جنود الشام» عن قرب الاندماج بينها وبين «أحرار الشام» في تحالف عسكري، الأمر الذي استدعى حينها نفياً حاسماً من قادة الحركة، فما الذي تغير حتى تقبل اليوم بما رفضته بالأمس؟
ورغم أن البعض سارع إلى تفسير هذه الخطوة بأنها ستكون بمثابة إعلان «إمارة إسلامية» تتبع إلى «القاعدة»، إلا أن المرجح ألا يخرج تحالف هذه الفصائل عن إطار التحالف العسكري، من دون إعلان تأسيس أي «إمارة». وسوف يكون على سلم أولوياته محاولة الخروج من الحرب ضد الإرهاب بأقل خسائر ممكنة، بل من غير المستبعد، إذا اقتصرت الحرب على مناطق سيطرة «داعش»، أن يسعى هذا التحالف «القاعدي» إلى المسارعة لملء الفراغ الذي قد يخلفه «داعش» وراءه.
لكن هذه الخطوة لن تحدث دون عقبات تواجهها، سواء على صعيد وجود تيارات داخل كل فصيل غير مقتنعة بها لأسباب مختلفة، ما قد يؤدي إلى حالات انشقاق عنها، أو على صعيد ردة فعل «داعش» على هذه الخطوة، حيث ظهرت بوادر ردود أفعال من قبل بعض منظري التنظيم المتشدد تشير إلى أن الأخير قد يعتبر الخطوة تستهدفه أساسا.

(السفير)

 

السابق
ماذا بقي من حُلُمْ رفيق الحريري؟
التالي
«داعش» ليبيا يعدم 21 مصرياً قبطياً؟