هل فقد أوباما عقله؟

لا أحد يعرف بالتحديد ما الذي جرى للإدارة  الأمريكية في السنوات القليلة الماضية، نعم الجميع كان على علم بانّ الادارة تسعى الى تقليص تواجدها العسكري حول العالم وتخفيف نفقاتها العسكرية واصلاح الوضع الاقتصادي للبلاد ودفع بعض اللاعبين الاقليميين والدول الصاعدة في مناطق مختلفة من العالم الى مشاركة الولايات المتّحدة العبء في تحمّل المسؤوليات الأمنيّة والنفقات المالية وانّ هناك مبادرات خاصة تجاه روسيا والصين وايران ستحصل   لتشجيعهم على الانخراط الايجابي في القضايا الاقليمية والدولية.

لكنّ المشكلة ان اوباما، مسكوناً ربما بهاجس استخدام القوة العمياء من قبل سلفه بوش الابن، قرر اللجوء الى المقلب الآخر من المعادلة وركن الى الكلام الدبلوماسي دون ان يقترن بأيّة افعال، وقد فهمت سياسة اوباما على انها تعبير عن موقف امريكي ضعيف حول العالم، وانّ اوباما غير مستعد ليخوض ايّة “مغامرات” اخرى، مما شجّع السياسات العدائية للعديد من الدول الاقليمية التي رأت في ذلك فرصة لتوسيع مناطق نفوذها وتأثيرها في وقت يشهد فيه النظام العالمي حالة من عدم التوازن.

لقد كان من نتيجة سياسات أوباما أنّ احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها الى حدود دولتها وقامت الصين باستعراض قدراتها العسكرية وتحدّي سيادة جيرانها البحرية والجوية واستخدم الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه وما يزال يرتكب المجازر دون ان يواجه اية عواقب (بل تقوم ابرز وسائل الاعلام الامريكية باستضافته)، واحتلت ايران أربع عواصم عربية باعتراف مسؤوليها وهي تستكمل هلالها الشيعي الذي انكره العالم قبل سنوات ليصبح بدرا ربما قريبا دون اية عقبات جوهرية.

صحيح انّ اوباما، قرر في بعض هذه الحالات ان يتحرك، لكنّ تحركه كان بعد فوات الأوان، فالعقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا لم تُعِدْ شبه جزيرة القرم الى السيادة الأوكرانية، والحقيقة ان هذه الأطراف فرضت عقوبات على بوتين خوفا من ان يضم المزيد، وليس لاعادة شبه جزيرة القرم. بمعنى آخر، فقد سلّموا باحتلال روسيا لشبه جزيرة القرم.

لقد دفعت قرارات اوباما الخاطئة في عدد من الملفات لاسيما في الشرق الاوسط العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الرفيعي المستوى الى الاستقالة من مناصبهم، لأنّهم رؤوا أنه لا يمكن الدفاع عن سياسية أوباما وأنهم أصبحوا غير قادرين حتى على تبريرها للآخرين، ناهيك عما اعتبروه نتائج كارثية لخيارات أوباما في القضايا الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

وفي بعض الحالات لم ينتظر اوباما استقالة المسؤولين فقام باقالتهم. ويكفي ان نعرف انّ ثلاثة وزراء للدفاع قدموا استقالاتهم خلال فترة حكم أوباما حتى الآن (هيجل، روبرت جيتس وليون بانيتا)، أما في وزارة الخارجية فقد استقال بسبب سياسيات أوباما من الملف السوري كل من السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرد فورد وأيضا الدبلوماسي فريديرك هوف وكلاهما من العناصر التي خدمت في الملف السوري والعراقي لسنوات طويلة وتعرف طبيعة المعطيات ومتطلبات التعامل معها. والجميع يعرف الخلاف الذي حصل بين اوباما وهيلاري كلينتون وعدد آخر من المسؤولين.

اليوم، لا أحد يفهم بالضبط ما الذي يفكر اوباما فيه عندما يعتمد على ايران وميليشياتها في الشرق الاوسط ويساعدها بشكل مباشر او غير مباشر على تعزيز نفوذها وتأثيرها في العالم العربي، ويسعى للتوصل معها بأي شكل من الاشكال الى اتفاق يقول معظم المراقبين حتى الآن انه سيكون كارثة على الجميع باستثناء ايران.

والمشكلة انّ اوباما ابدى استعداده بشكل غير مسبوق للدخول في كل المعارك الداخلية والخارجية الممكنة من اجل تأمين هذا الاتفاق، فهو هدد الكونجرس باستخدام الفيتو ان قرر تشديد العقوبات على ايران، وقال انه يدرس امكانية تمرير اتفاق دون موافقة الكونغرس وتجاهل ايضا مخاوف ومصالح حلفائه العرب من هذه الصفقة ومن العمل مع ايران وميليشسياتها، حتى انّه دخل في معركة مع حليفه الاستراتيجي التاريخي اسرائيل من اجل ان يبرهن انه ماضٍ في طريقه.

ما الهدف مما يفعله اوباما، وكيف يمكن له ان يخدم مصالح امريكا او حلفائها بأي شكل من الأشكال؟. لا احد داخل امريكا او خارجها قادر على ما يبدو على الاجابة على هذا السؤال، لكنّ كثيرين واثقين انّ الامر لا يتعلّق بهذا السؤال أساسا بقدر ما يتعلق بالسيرة الذاتية للرئيس اوباما!!

كثير من المعنيين (رسميين ومحللين ومتابعين) يقولون انّ هدف أوباما هو تحقيق ارث لم يسبقه اليه احد في السياسة الأمريكية، وهو اعادة العلاقات مع ايران، ستكون هذه خطوة غير مسبوقة وستغطي على كل فشله السابق. اذا كان هذا هو هَم أوباما، فان ما سيخلّفه سيكون كارثة ليس فقط للرئيس الأمريكي القادم وانما للمنطقة والعالم بأسره،  وكما قال دايفيد روثكوبف في مقاله الأخير في “الفورين بوليسي”: “التوجّه المحوري نحو ايران”، فانه من المحتمل جدا مع مغادرة اوباما للبيت الأبيض، أن لا يكون هناك دولة على وجه الأرض استفادت بقدر ما استفادت ايران خلال المرحلة السابقة”.

(العرب)

 

 

السابق
نظام حماة
التالي
أبو فاعور: لفتح ملف الاخطاء الطبية