حرب تم تجنّبها: غبي ألقى حجراً

مرة تلو مرة يثبت أن اليمين الإسرائيلي ليس الأقدر على شن الحروب ونيل التأييد لها. فالأمر غالبا يتعلق بالصورة والانطباع المتولدين لدى الغرب والعالم عن الحكومة الإسرائيلية القائمة. تشهد على ذلك كل الحروب التي شنها اليمين من حرب لبنان الأولى إلى الحروب على غزة وهي جميعها لم تجد التأييد الواسع لها في الدول الغربية بعكس الحروب التي شنها اليسار أو الوسط الإسرائيلي وبينها حرب لبنان الثانية وبعض الحروب على غزة.

وأيا يكن الحال، فإن الحرب التي كادت تقع بين إسرائيل و«حزب الله» بسبب الغارة الجوية التي أودت بشهداء القنيطرة تم تجنبها أساسا بسبب ميل حكومة نتنياهو لاحتواء المواجهة بعد رد حزب الله في مزارع شبعا. فمن الصعب تخيل اندفاع إسرائيل إلى حرب ليس بالوسع تقدير مداها زمانيا ومكانيا من دون الاستناد إلى تأييد أو على الأقل إلى تفهم أميركي. وواضح أن العلاقات الإسرائيلية الأميركية، خصوصا بين الحكومتين، ليست في أفضل أحوالها على أقل تقدير.
وعدا ذلك، ليس من السهل على إسرائيل أن تتدهور إلى حرب في زمن انتخابات في ظل انقسام واضح حول ما إذا كانت هذه الحرب ضرورية أم لا. وتكفي قراءة واحدة لوسائل الإعلام الإسرائيلية وتعاطيها مع اغتيال شهداء القنيطرة وتشكيكها في أن خلف ذلك دوافع انتخابية وليس متطلبات أمنية لإدراك أنه كان يصعب توفير إجماع أو أغلبية لهذه الحرب. وفي ضوء ذلك وواقع أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في الميزانيات كان من شبه الواضح أن الاندفاع إلى حرب صار أمرا مستبعدا.
ولم يكن مقنعا لعموم الإسرائيليين ادعاء نتنياهو أن إيران «تحاول منذ زمن ما، عبر «حزب الله»، انشاء جبهة ارهاب اخرى ضدنا من هضبة الجولان. ونحن نعمل بحزم ومسؤولية ضد هذه المحاولة». ونظر كثيرون باستهجان إلى محاولته توسيع الجبهة والقول إن «حكومة لبنان ونظام الاسد شركاء في المسؤولية عن عواقب الهجمات التي تنطلق من اراضيهما ضد دولة اسرائيل». ونظرا لإدراكه ذلك لم يجد بدا من إطلاق التهديدات التي وصفها معلقون بأنها فارغة: «من يقف خلف الهجوم اليوم سيدفع كامل الثمن»، و»اقترح على كل من يحاول تحدينا من الحدود الشمالية أن يرى ما حصل في قطاع غزة. فقد تلقت حماس في الصيف الماضي الضربة الاشد منذ قيامها، والجيش الاسرائيلي جاهز للعمل بقوة في كل الجبهات.
بل إن تهديدات نتنياهو «الفارغة» هذه جعلته موضع انتقاد من جانب المعلقين. وقد أشارت افتتاحية «هآرتس» مثلا إلى أن «ثلاثة أحداث» توضح للإسرائيليين خطورة «الدعاية الانتخابية» لنتنياهو. وتذكر أن نتنياهو عجز عن الإقناع بأن اغتيال شهداء القنيطرة «كان ضروريا». واعتبرت أن أصدقاء إسرائيل الجمهوريين والديمقراطيين يرون في زيارة نتنياهو للكونغرس «عملية تستهدف تجاوز رئيسهم». وإذا لم يكن هذا كافيا، فإن حكومة نتنياهو، وفق الصحيفة « قررت إلقاء زجاجة حارقة اخرى الى ساحة العلاقات مع الولايات المتحدة واوروبا، حين نشرت في نهاية الاسبوع الماضي عطاءات لبناء 450 شقة جديدة في المستوطنات». وركزت الصحيفة على أنه «لا توجد صدفة في بؤر الاحراق الثلاث التي اشعلها نتنياهو. كل واحدة منها تمثل وجها آخر للدعاية ذاتها: في هضبة الجولان سعى نتنياهو لان يستعرض قيادته العسكرية، في الكونغرس قدرة صموده في مواجهة رئيس يراه معاديا لاسرائيل، وفي توسيع المستوطنات، تصميمه على تلبية مطالب اليمين».
وقد حاول المعلق العسكري لموقع «يديعوت» الإخباري، رون بن يشاي شرح أسباب عدم ذهاب إسرائيل للتصعيد ردا على عملية «حزب الله» في مزارع شبعا. وفي نظره، رمت عملية «حزب الله» الكرة في الملعب الإسرائيلي ما جعل كلا من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون ورئيس أركانه بني غانتس في معضلة. إذا وجهوا ضربة لـ«حزب الله» فالنتيجة ستكون مواجهة شاملة ربما «حرب لبنان الثالثة» يدمر فيه لبنان و«حزب الله» لكن الجبهة الداخلية الإسرائيلية «ستتضرر بشدة، إن لم يكن أكثر من ذلك». وإذا «كبحت إسرائيل نفسها فقد تفقد أثر الردع الذي حققته في حرب لبنان الثانية. وبوسع حزب الله أن يتفاخر بحق، أنه من يردع إسرائيل وليس العكس». وشدد على أن هذين العاملين الاستراتيجيين يوازن أحدهما الآخر ويجعلان القرار أشد صعوبة. ولم ينسَ بن يشاي الإشارة للبعد الانتخابي الذي يجعل اليمين وحده يتحمل مسؤولية القرار لا البعد الدولي.
وفي ظل هذه التقديرات لم يكن صدفة أن يطالب كاتب التحقيقات في «هآرتس»، آري شافيت، بإعادة «المارد إلى القمقم» معددا حقائق بينها أن إسرائيل أنشئت فوق بركان ينفحر كل بضع سنوات. وبعد أن يشير إلى طبيعة العداء مع «حزب الله» بوصفه «عداء الظلاميين والمتنورين» يشير إلى مصلحة إسرائيل في تجنب الحروب. ولكنه يرى أن هذه الحقائق تقود إلى استنتاج هو «عاجلا أم آجلا ستندلع حرب لبنان الثالثة» ولذلك «محظور اتخاذ اجراءات تشجع نشوب الحرب قد تفرض على اسرائيل خوض حرب خطرة».
عموما وبحسب «يوسي كلاين» في «هآرتس» فإن النظرة في إسرائيل لما جرى تتلخص في أن «أحدا ما مسؤول عن العملية في سوريا. أحد ما، بمزيج من الغباء واللامبالاة «أدى مهامه». وكأن مهامه منقطعة عن الواقع، وكأن ألف حكيم يمكنهم ان يخرجوا من البئر حجرا ألقى به غبي واحد».

(يديعوت)

 

السابق
الجولة التالية مقبلة
التالي
أوباما يخصّص 4 مليارات دولار لمكافحة «داعش» وتدريب المعارضة