عن طفلين نازحين من مخيم اليرموك

ضاعت هويتهما بين والد أدركه الموت متجمدا ً في عزّ العاصفة الثلجية، داخل خيمة تقطعت أوصالها وتهالكت قواها أمام أثقال المتراكمات البيضاء، وبين أم أصيبت بنزيف حاد غّيب وعيها ما استدعى نقلها على عجل إلى مستشفى راشيا الحكومي، تاركة وراءها طفلين وحيدين، طفل يبلغ الثالثة من عمره، بينما شقيقته لم يتجاوز عمرها السنتين.
الطفلان ينتميان إلى عائلة فلسطينية نزحت من مخيم اليرموك في سوريا، وحطت رحالها للعمل في مزرعة ألبير في كفرمشكي، لكنها انتقلت بعد وفاة الوالد المكنى بأبي علاء الصباح صبيحة التاسع من الشهر الحالي، إلى بقايا منزل في بلدة كوكبا أبو عرب، علّ هذه الأم توفر الدفء لطفليها الرضيعين، لكن حسابات حقلها لم تطابق غلال الثلوج الوفيرة، التي وزعتها الطبيعة وراكمتها إلى حدود بلغت في بعض المناطق المرتفعة المترين وما فوق.
الطفلان المنسيان داخل حدود غرفتهما المتهالكة، انتفضا على موجات الزمهرير التي اخترقت جسديهما الطريين، وقررا عدم الخضوع لمفاعيل الطبيعة، وخرجا بين المتراكمات الثلجية يصرخان، بحثا ً عن ملاذ دافئ يحتضنهما، ويوفر لهما العناية اللازمة، ريثما تستعيد والدتهما صحتها وتعود من المستشفى، ويستعيد الطفلان حضنا ً مسكونا ً بالحنان افتقداه في عز الحاجة إليه .
لازم الصراخ المتواصل مسامع المواطن محفوظ مغامس، الذي دفعته حميته إلى استطلاع مصادر الصوت المندفع بين العواصف، ليعثر على طفلين تائهين بين الثلوج. حملهما إلى منزله، حيث تولت عائلته رعايتهما وإطعامهما والاهتمام بهما، إلى حين تمكن الصليب الأحمر من الوصول إلى كوكبا بمؤازرة من عناصر قوى الأمن الداخلي، حيث تم تأمين بعض المستلزمات الضرورية لهما إلى حين تبلغ وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور بحيثيات القضية، الذي تابع وضعهما وطلب نقل الطفلين إلى مستشفى راشيا الحكومي، فأجريت لهما الفحوصات اللازمة للتأكد من سلامة صحتهما، قبل أن يتم نقلهما للإيواء في دار للحضانة في كفردينيس، يشرف على إدارتها الشيخ الدكتور بسام التراس.
الوالدة التي استعادت بعضا ً من صحتها، نقلت الى المستشفى الفلسطيني في بر الياس، لكنها قلقة على طفليها وفق ما جاء على لسان جارتها أم عمّار، التي تمنت الشفاء السريع لأم الطفلين ، حتى تعود إلى رعايتهما واحتضانهما .

السابق
ضربة القنيطرة وامتهان العقل
التالي
شهداء الجيش… يعودون قرابين الى بلداتهم