ندوة بين العلمانية والطوائف في بلدية صيدا

ما زالت حادثة صحيفة شارلي ايبدو، التي أودت بحياة عدد من العاملين فيها، بالإضافة إلى المسلحين اللذين قاما بعمليتها رداً على نشر الصحيفة عدداً من الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد، تستأثر باهتمام العديد من اللبنانيين، إلا أن وجهات نظرهم تتباين على تباين مواقعهم ورؤيتهم إلى الحدث من فعل وردة فعل.

في ندوة بلدية صيدا، نجح الشيخ محمد أبو زيد في تحويل النقاش لطرح آلية عمل تتصدى لمثل هذه الإساءات التي توجه إلى الأديان عموماً والنبي محمد خصوصاً مستعرضاً نتائج ما حصل في بيروت عام 2006 والأضرار التي نتجت عنها، وطريقة تعاطي المسلمين في كوبنهاغن تجاه الرسوم الكاريكاتورية. وحسم أمره يتحمل الراسمين مسؤولية الإساءة إلا أنه لم يحسم موقفه بإدانة ردة الفعل التي قام بها مسلمان تجاه رسامي شارلي ايبدو، حتى أن إحدى الفتيات طالبة بموقف محدد، لكنه نفى إمكانية الحكم على الذين قاموا بردة الفعل.
لكن مداخلة المطران إيليا بشارة الحداد، كانت أكثر تحديداً في معالجتها لعمليات الإساءة إلى الأديان فاتجه إلى اتهام العلمانية المتطرفة بقيامها بعمليات الإساءة، في محاولة للانتقام من الثورة الفرنسية التي رفعت شعار حرية، أخوة، مساواة. واتهامها أنها بدأت ضد الكنيسة. لكن الثورة الفرنسية قامت فعلاً ضد سلطة الكنيسة وليس ضد رعايا الكنيسة، وهذا ما يفتح الباب أمام مفهوم العلمانية وهو مفهوم يختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر.

والذي ساعد المطران الحداد على إطلاق أحكامه، إقدام الفرنسيين على تحويل العلمانية من منهج حياة يسير عليه الإنسان بعلاقته مع الآخر المختلف عنه إلى دين وأيديولوجيا يتماثل مع المسيحية والإسلام. وبالتالي لم تعد علمانية فرنسا قادرة على تحمل الكنيسة وما تمثل، وبالوقت نفسه لم تعد محايدة تجاه علاقة الإنسان بالله، وتحولت إلى الحاد معادٍ للإيمان من أية جهة أخرى. في حين أن العلمانية لا يمكن إلا أن تكون تسامحية أي تقبل الآخر المختلف كما هو لا تتدخل بعلاقاته الروحية في حين تتبنى قوانين وضعية تحدد العلاقة بين المكونات الاجتماعية.
وفي مداخلته أيضاً دعا الحداد الأوروبيين إلى تبني المادة التاسعة من الدستور اللبناني التي تعطي الطوائف الحق في تنظيم حياتها وتعليمها وتاريخها وغيرها، وهي المادة التي تشكل السند الأساسي للانقسام اللبناني وعدم توحد الشعب تحت دستور يساوي بين اللبنانيين ويوحدهم في الوقت نفسه. ويرى أن فرنسا بحاجة إلى لبننة ويقول لهم: تعالوا تلبننوا ربما حلت أزمتكم. وكان المطران يغمض عينيه عن تاريخ لبنان منذ عام 1860، تاريخ حروب أهلية متكررة ومتناسلة. ومجتمع منقسم باستمرار ولا أمل له بالتوحد إلا عبر علمانية حيادية تفصل الخاص عن العام وتحترم حرية الفرد الحرّ المستقبل لكنه الملتزم بالنظام العام.
المشكلة في أوروبا، أن البعض حوّل العلمانية إلى دين آخر ينافس الأديان الأخرى، وهل يستطيع أحد أن ينفي أن كل دين يقول إنه الحقيقة المطلقة. وبالتالي يصف العلاقة في المسيحية والإسلام، علاقة تعايش مشترك في حين أن المطلوب عيش واحد لشعب واحد.

السابق
اللجان المشتركة تقر سلامة الغذاء.. والعبرة في التطبيق
التالي
قيادة الجيش نعت 3 شهداء آخرين ووزعت نبذة عن حياة كل منهم