جذور التوجه نحو التطرف

التطرف الإسلامي

ما هي العلاقة بين الإنترنت وزيادة عمليات العنف في باريس وحول العالم؟ هذا هو اللغز الذي تأمله مارك سيدجمان، الطبيب النفسي وأحد العاملين السابقين في «سي آي إيه» الذي له آراء معارضة للفكر السائد عن الإرهاب جديرة بإمعان النظر فيها. وحذر سيدجمان قائلا: «إن تحميل الإنترنت مسؤولية التطرف لهو حقا مثل تحميل أي وسيلة من وسائل الاتصال والتواصل مسؤولية التطرف. لا يصلح مجرد التعرض لأفكار خاطئة لأن يكون تفسيرا لتبنيها، ولا ما يحدث من عنف سياسي».
ويرى أن دور الإنترنت بالنسبة إلى المتطرفين ضئيل ولا يختلف عن تأثيره على أي جماعة أخرى. وتجعل منتديات الإنترنت التواصل والدعم اللوجيستي أسهل، لكنها تكرّس في الوقت ذاته للامركزية والتشرذم الذي وصفه سيدجمان في اثنين من كتبه الأولى «تطرف بلا قائد» و«فهم شبكات الإرهاب». وقال في مقابلة: «تعود الزيادة الهائلة في عدد المقاتلين المسلمين الأجانب في سوريا والعراق بشكل كبير إلى الزيادة الكبيرة في حجم المجتمعات المتشددة على الإنترنت».
ليس دور الإنترنت هو تحويل الناس إلى متطرفين، لكن يحدث هذا بسبب ظلم واقع على جماعة من الجماعات من منظورها، فضلا عن عوامل أخرى. وبمجرد أن يجد الشباب دافعا، تشجع منتديات الإنترنت على «هجمات مستقلة عفوية تنبع في الداخل» خارجة عن سيطرة الهياكل القيادية العليا مثل تنظيم القاعدة.
وحذر سيدجمان مما سماه «التحيز المثير للقلق» في تقارير الاستخبارات المركزية الأميركية والتغطية الإعلامية للإرهاب. وتعد الهجمات الأخيرة التي شهدتها باريس مثالا على ذلك، فقد ركزت الروايات الأميركية على احتمال أن يكون الهجوم قد تم بتوجيه مباشر من تنظيم القاعدة في اليمن. وهذا النهج «يغذي هوسا أميركيا غريبا تجاه الإرهاب، وهو ما يدفع السياسيين نحو اتخاذ موقف وإظهار صرامتهم في مواجهة الإرهاب».
شهد البحث في الإرهاب ركودا، ومن أسباب ذلك الاحتفاظ بسرية كثير من المعلومات. وكتب سيدجمان العام الماضي في دورية «الإرهاب والعنف السياسي»: «لدينا منظومة بحث في الإرهاب يعلم محللو الاستخبارات فيها كل شيء، لكنهم لا يفهمون أي شيء، في حين يفهم الأكاديميون كل شيء، لكنهم لا يعلمون أي شيء».
مع ذلك يتسع نطاق البحث بفضل التجمع القومي لدراسة الإرهاب والرد عليه في جامعة ميريلاند، حيث نشر الموقع الإلكتروني للتجمع 16 دراسة أكاديمية حول موضوع «مكافحة التطرف العنيف»، وهو المصطلح المفضل هذه الأيام، و30 دراسة أغلبها مكتملة حول مكافحة الإرهاب. وتتنوع الموضوعات التي تناولتها تلك الدراسات الأكاديمية بين الحد من التعاطف مع المتطرفين بين الشباب الأميركي من ذوي الأصول الصومالية في مينابوليس، ومكافحة اتجاه المسلمين نحو التطرف في السجون الأميركية، ومواقف الأميركيين المسلمين تجاه الشريعة الإسلامية، التي يزيد عدد غير المسلمين الذين يفضلون العيش طبقا لها عن عدد المسلمين.
السؤال الجوهري بالنسبة إلى سيدجمان هو: لماذا يصبح الناس متطرفين بالأساس؟ ويوضح في كتابه المقبل «الاتجاه إلى العنف السياسي» أن من أسباب هذا هو رؤية المسلحين لأنفسهم كجنود يدافعون عن مجتمعاتهم. ولهذا ارتدى كل من سعيد وشريف كواشي ملابس عسكرية عند مهاجمتهما لمجلة «شارلي إيبدو» بحسب سيدجمان الذي أضاف: «لقد قدما نفسيهما كجنديين وحاولا القيام بالدور كما ينبغي للجنود بحسب تصورهما».
ويبدو أن هذا الشعور بالحصار قوة دافعة مهمة، حيث يشير سيدجمان إليه ضمن عوامل وأسباب الانضمام إلى شبكة إرهابية، ومنها «النظر للأمر كحرب ضد الجماعة التي ينتمي إليها المرء، والغضب المعنوي من بعض أشكال الظلم الواضحة، والاستقطاب في الجدل».
ومن النقاط الرئيسية في عمل سيدجمان ضرورة توخي الحكومات والأفراد الحرص والحذر تجاه تغذية مظالم المسلمين حول العالم دون قصد؛ فعندما يشعر الناس بالإهانة، يكون من الخطر إهانتهم بلا داع مرة أخرى. هذه هي مشكلتي مع غلاف عدد هذا الأسبوع من «شارلي إيبدو». ويمكن لغير المسلمين القول إنه لا ينبغي للمسلمين أن يشعروا بالإهانة، لكن ما الذي يدعو إلى نكأ جرح لم يندمل؟ إن الأمر أشبه بدخول عش للدبابير. نحن لنا مطلق الحرية في القيام بذلك في مجتمع منفتح، لكن هل من الحكمة فعل ذلك؟

السابق
مسيرة طالبية في طرابلس تنديدًا بالرسوم المسيئة الى النبي محمد
التالي
ندوة طبية عن فقر الدم عند الأطفال في صور