مع شارلي إيبدو… وضدّها

لا يمكننا، ونحن قابعون في هذا الشرق ، النظر بعلمانية تامة ومجردة الى الامور التي تجري حولنا، بل من إلحاد يحكم المجتمع الفرنسي اكثر من سواه، لأن كل ما يحيط بنا ديني الهوى. وحياتنا ترتبط ارتباطا وثيقا بالدين، كهوية ونمط عيش واجراءات قانونية، حتى لو تجرأ البعض منا على المضي بعكس السير في بعض نواحي حياته. ومقاربة الامور تختلف من هنا الى باريس، ومفهوم الحرية يختلف لدى كل منا، حتى في المحيط الضيق والعائلي، سواء في المنزل او في العمل، طالما ان لدينا مقدسات ومحظورات.

في الوقفة التضامنية مع “شارلي ايبدو” في بيروت تضامنّا جميعاً، لاننا نرفض بالمطلق كل عنف في التعامل بين الناس، فكيف اذا بلغ حد القتل رفضاً لموقف او رأي او رسم كاريكاتوري؟ ولأننا نعرف جيداً، وخبرنا هذا الاسلوب الارهابي في اسكات كل صوت معارض، ودفعنا اثماناً باهظة من احباء لنا، وهذا امر لا تكفي ادانته او شجبه، بل العمل لوضع حد له عبر القبض على المجرمين وتنفيذ اشد العقوبات بهم، ليكونوا عبرة لغيرهم، لا كما يحصل عندنا من تفلت، وهروب من وجه العدالة، يشجعان على ارتكاب المزيد من الاعتداءات.
لكن واقع نظرتنا الى “شارلي ايبدو”، كشرقيين، قد يتقاطع احيانا مع نظرة اولئك الارهابيين في رفض رسوم المجلة المسيئة، والتي لا تقوم على نقد بناء، او السخرية الخفيفة المحببة، بل على التشهير والاهانة والمسّ بالمعتقدات، وهي، في نظرنا، قد تناقض حرية التعبير التي ندافع عنها. لا يمكننا، ونحن مؤمنون، ان نقبل الرسوم التي نشرتها المجلة، لانها تعرّض مقدساتنا الى ما يمكن اعتباره تدنيساً. ولا يتبدل موقفنا من هذه الامور اذا اتهمنا بالتخلف والرجعية وعدم القدرة على مواكبة العالم المتقدم. ففرنسا، التي نقدر ونجل، ونحب ايضا، ليست مقياساً عالمياً لقبول الامور او رفضها، لانها تختلف عن بلدان عدة حتى في اوروبا. واذا كان البعض يجعلها قدوة في التنوع وقبول الآخر وافكاره، فإن مقاييس تقدم الشعوب ليست واحدة، ولا يمكن قياسها بعضها على بعض.
في الماضي القريب، اراد صديق يبالغ في يساريته (وهو مسلم وفق الهوية) وان يثبت علمانيته فشتم نبي المسلمين، ولما رفضت كلامه المسيء، اجابني ” وما شأنك انت بالاسلام، دافع عن مسيحيتك”، فقلت له: “ان تغنيك بالعلمانية، وربما بالإلحاد، يجعلك تعطي لنفسك الحق بشتم كل الاديان، واذا قبلت بك الآن، فاني سأكون ملزما بسماعك وانت تشتم مسيحي. انت لست حرا في اهانتي، وتحقير معتقدي، تحت شعار العلمانية. حريتك في تحقير معتقداتي ربما تدفعني الى شتم امك وزوجتك وعرضك تحت شعار الحرية”. انتفض وقال: “امي شأن خاص بي ليس من حقك”. اجبته: “وايماني خاص بي. فلنتجّنب المشكلة من اولها”، وهذا ما حصل.

 

السابق
إبعاد «الدولة الإسلامية» عن لبنان .. ولبنان عن «الدولة الاسلإمية»
التالي
فيديو يظهر الجزائرية «حياة بومدين» في مطار تركي