نحن السوريين…

نحن السوريين.. قدرنا مرمي في البئر الذي ذاق برده وعتمته، يوسف الجميل، المغدور من الإخوة بينما كل الذئاب بريئة من دمه.
عندما تكون خائفاً سيلعب اليأس بأعطال الأمل ويتسيّد الموقف. هكذا نحن السوريين، الكلمة الأخيرة ستكون دائماً للخوف، كل شيء مسموح لنا توقعه: الموت برصاصة غريبة، أو بسكين سُنّت في بقاع مختلفة من الأرض لتذبحنا دونما رفة جفن، من دون أدنى حس بشري، مسموح لنا أن نغرق في بحار توهمنا بالعبور إلى أرض الأحلام. مسموح للتراب أن يدثر موتانا بطمأنينة لم يعثروا عليها قط في الحياة. سيرتاح أولئك الذين ماتوا، الذين عثر أهاليهم على جثثهم، دفنوهم، بكوهم، ندبوهم، وأولئك الذين لا يمكن العثور على قبورهم، سيؤرقون ليل الأمهات والأبناء والأخوات.
نحن السوريين، لا رفات، ولا جثامين، والكثير الكثير من القتلى لم يَعثر أحد قط على أجسادهم، ولا حتى نتفة من أشلاء تطايرت في سماء الغضب الدموي.
يقولون لي: «اكتبي روايات عن الوضع السوري»، الحكايات الشفهية أو الروايات، لن تضيف شيئاً إلى هؤلاء الموتى، إنما نكتبها لعلنا نشفي ولو بضع سنتيمترات من جراحنا المديدة الأكثر عمقاً من وديان سحيقة شقها الزمان في بطن الأرض عبر سنين طويلة.
الأبطال الجدد أو المستقبليون الذين سيشغلون أنفسهم بتصنيع شعارات جديدة لتبرير السرقات، والقتل، والبغض، من دون أن ينسوا تخصيص دقيقة صمت واحدة عن أرواح الموتى، الذين لم تتح لأجسادهم قبور! تلك الأجساد التي تحمّلت نفقات شعارات شتى.
أيها السوريون، جميعكم، موالون، ومعارضة، وبينَ بينْ، اصمتوا، لا تتفوهوا بشيء لا تنبسوا ببنت شفة، فالحزن أكبر من الاتهامات التي تتقاذفونها فيما بينكم بشهية الجائع الأزلي لخبزة مفقودة.
عذراً، أيها المثقفون الذين هم كذلك، فقط لأنهم محاطون بالأميين. نحن السوريين، حزننا لن تكفيه الكلمات من هنا لألف عام.
عذراً تجار «المساعدات»، كل قذارات صفقاتكم المخبأة ستُلطّخ جباهكم، بينما يعوي ابن آوى جائع في صحراء مقفرة.
عذراً، صحيفة «النهار»، نحن السوريين، احترقنا بالنار التي تواطأت بإشعالها كل أنامل الفتنة بالعالم. لم نكن ننتظر أن تثلجنا عواصف كلماتكم بالمزيد من القسوة.
عذراً شارع الحمراء، قصدناك نحن السوريين، لأن ثمة شبهاً هائلاً بين حناياك وزواياك وبين شارع الحمراء الدمشقي الشهير الفخور دائماً بزواره، الذي لم يهمّ يوماً بطرح سؤال على أي عابر أو زائر أو حتى مارق.
مثقفو لبنان، رويداً رويداً، فنحن السوريين لنا سفن لا حمولة لها غير الحزن، تتقاذفها البحار وتجلدها الريح.

السابق
الرياضة تقلل من مخاطر إدمان الكحول
التالي
9 شهداء وأكثر من 35 جريحا في تفجيري جبل محسن