الحمرا ما عادت لبنانية… التوسّع السوري غيّر هويّتها

أتذكرون شارع الحمرا؟ ربما نسيه البعض، أو تناساه البعض الآخر. الحمرا صارت اليوم “سودا”. أتذكرون شانزيليزيه بيروت؟ أين أنتم منها اليوم؟ لم نعد نلمح منكم إلا القليل والقليل. أتذكرون قهوة الصباح على وقع أغاني فيروز؟ “وينن، وين صواتن، وين وجوهن، وينن”. أتذكرون زحمة المقاهي، المسارح وحفلات السهر، لقد بهتت اليوم، خفّ نجمها وتكاد تكون خالية! ماذا بعد؟ خفّ ظلّكم، زوّاراً كنتم أو عمّالاً، وأمست الحمرا في أيدي “الأشقاء” أو “الغرباء” سياحة، عمالة وتسولاً. أتذكرون وتذكرون… الحمرا اليوم تفتقد أهلها.

في الحمرا، سياح سوريون يتسيّحون، عمّال يسترزقون وأطفال يتسوّلون، وما بدأ يظهر أخيراً للعيان هو انتشار المطاعم بـ”آرمات” سورية، ويكون موظفوها، من أصغرهم الى أكبرهم، سوريين، ناهيك عن لوحات السيارات “الدمشقية”. ويبدو أن الحرب في سوريا لم تهجّر الناس فقط بل المشاريع والمؤسسات أيضاً… ماذا تريد بعد لتشعر بأنك في سوريا؟

تأثير سلبي
الديموغرافيا تغيّرت في الحمرا، طغى السوريون على المشهد، فيما يظهر اللبنانيون خارج الإطار. وتلمس من اللبنانيين، خلال الجولة التي تقوم بها في هذا الشارع العريق، أنهم مرتاحون للمطاعم السورية، وهذا من شأنه أن ينعش الاقتصاد، فيما يجمع معظمهم على أن شارع الحمرا ما عاد لبنانياً، وهذا يترك تأثيره سلباً في هوية المنطقة وعلى الوضعين الاجتماعي والسياحي في لبنان.
يقول عصام سكاف (موظف مطعم – 22 عاماً) إن “السوريين احتلوا البلد، وهو ما يدفع الكثير من اللبنانيين الى تجنب هذه المنطقة، نظراً لعمليات التسوّل والمشاهد غير الراقية في هذه البقعة من بيروت”. بينما يبدو السوري باسل نويلاتي (طالب جامعة – 21 عاماً) سعيداً بما تراه عيناه في الحمرا، يرى أن الوجود السوري الكبير في الشارع يريحه ويعوّض عليه لوقت معيّن مآسي الحرب والتهجير، يتمنى أن يعود الأمان الى بلده من أجل العودة الى الديار وتخفيف العبء عن كاهل اللبنانيين.
في الحمرا أيضاً، “مطعم الفاروق” الشهير في حي المالكي في دمشق، فتح فرعاً له في بيروت، وهناك غيره الكثير من المطاعم السورية التي أخذت تتوسّع شيئاً فشيئاً. يُقال إن مدير المطعم كان ينوي فتح فرع له في بيروت منذ أكثر من خمسة اعوام، وهو قدم اليوم الى بيروت مصطحباً معه 20 موظفاً من سوريا.
هذا الامر، لم يرق ابدا لمدير مطعم “مربوطة” احمد الحفار، وهو يبدي امتعاضه من هذا التوسع السوري، يعتبر أن ذلك يؤثر سلباً على الانتاج اللبناني واليد العاملة، وهو لا يعبر ابدا عن بيروت.
المطاعم السورية التي اخذت تتوسع في الحمرا، تشير بقوة الى أنك في سوريا، فاللهجة الشامية في كل مكان. كذلك، فان عشرات السيارات تحمل اللوائح الدمشقية تراها مصفوفة امام المطاعم والفنادق. اناس كثر من اصحاب البشرة السمراء يعرفها اللبناني باتقان انها ذات هوية سورية، وهكذا دواليك…

نظرة الدولة
ما يجري في الحمرا يستدعي احتواء للوضع من الدولة، وان كان للتوسع السوري ايجابياته، فله أيضا سلبياته.
السوريون باتوا في كل زاوية من زوايا الحمرا، كيفما ادرت وجهك تراهم، أكانوا اغنياء ام فقراء، واللبنانيون يغيبون عن المشهد، فيما الساحة خالية للاجئين السوريين الذين فاض عددهم في لبنان، وبدأت الدولة تفكر جدياً في الحؤول دون تزايد اعدادهم واعادة بعضهم الى بلادهم.
يبدو وزير العمل سجعان قزي حازما حيال ما يحدث في الحمرا، يقول لـ”النهار” انه ممنوع منافسة اليد العاملة اللبنانية في البلاد. ويأسف ازاء التوسع السوري في الحمرا، خصوصا في المناطق التي تشهد نموا سياحياً كالحمرا.
يقول قزي: “سنرى ما الضرر الذي قد ينجم عن توسع المطاعم السورية في الحمرا، وان كان لذلك خطر على الحياة الاجتماعية للبنانيين، فسيتم قفلها”.
من جانبه، رأى وزير السياحة ميشال فرعون لـ”النهار” ان لبنان بات يتحمل اليوم اكثر من طاقاته، ولم يعد قارداً على استيعاب المزيد من اللاجئين السوريين، معتبرا ان هذا الملف يقع على عاتق المجتمع الدولي. وعن توسع المطاعم السورية في الحمرا، قال فرعون ان ليس لديه معلومات حول الموضوع، ولكن ان تبين ان هذه المطاعم لا تشكل ضرراً اجتماعيا على اللبنانيين فالدولة لن تدينها.
هل هناك سياحة سورية في لبنان؟ يجيب فرعون انها، ان وجدت، فهي قليلة جداً مقارنة باعداد اللاجئين، معتبرا ان هناك انعكاسا سلبيا للوجود السوري في لبنان، وان كان هناك بعض الاستثناءات. وخلص الى ان وزارة السياحة تشجع القطاع السياحي، ولكن ليس على حساب اللبنانيين، متناولا بعض اللاجئين السوريين المرفهين الذين يقدمون اداء مرتفعا في خدمة لبنان، وقد لا يصنفون في خانة اللجوء.
وقبل ان ننهي جولتنا في الحمرا، استوقفنا احد السوريين، اسمه نور (موظف – 25 عاما)، يقول ان “السوريين كل ما يتمنونه هو السلام، وليعم السلام لنعود الى بلادنا ونترك لبنان لأهله، لان هذا البلد تحمّلنا بما فيه الكفاية”. يختم نور ممازحاً: “الحمرا ما عادت لبنانية، الحمرا اصبحت شارعاً سوريا في لبنان”.

السابق
هل حاول لاريجاني إقناع نصر الله بالتخلّي عن الأسد؟ وفشل؟
التالي
هل يعود مياومو «الكهرباء» إلى الشارع؟