عرسال في مرآة العهد الشهابي

عرسال
تجعلنا احداث عرسال الحالية نستعيد حقبة الخمسينيات ونقارب ما يجري الآن مقارنة بما جرى أثناءها في البلدة الحدودية. 

أحداث عرسال المتلاحقة منذ مدة وعلاقتها بالدولة، تجعلنا نستعيد بعض من ذاكرة الماضي، ربما تكون مرآة للحاضر. فقد انتهت أحداث أو ثورة 1958  “تحت شعار لا غالب ولا مغلوب” وانتهى عهد الرئيس كميل شمعون وتم انتخاب العماد فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية، وبدوره وصلاحياته كلف الرئيس رشيد كرامي لتشكيل الحكومة، وبدأت مرحلة ما بعد الثورة بملامحها الشهابية الواضحة بإنشاء المؤسسات الخدماتية وتطوير مؤسسات الدولة.

وبدات حينها ورشة تنمية طالت الأرياف وكان لبلدة عرسال حصة الأسد من هذه التنمية حيث مدت شبكة لمياه الشفة، وتم مد شبكة الكهرباء مع تزويدها بمولد خاص بها وتم بناء اول مدرسة رسمية وافتتاحها، وتم تلزيم حفر بئر ارتوازي في عهد الرئيس شهاب أيضا لكنه لم ينفذ بسبب سرقة المتعهد التكاليف والهروب تحت حجة لا وجود للمياه الجوفية في ارض عرسال.

وكل هذه المشاريع نفذت بعد الحادث الامني الذي جرى بعد تشكيل حكومة الرئيس كرامي السنية وانطلاق العهد الشهابي بين ابناء عرسال وأبناء إحدى القرى المجاورة وقد سقط عدد من القتلى من الطرفين والدركي شوكت المصري فجهزت الحكومة حملة تأديب وكانت أداتها الجيش اللبناني الذي وصلت منه قوة كبيرة إلى محيط عرسال في حينه وأخذت مواقع قتالية وحفرت الدشم بكل هدوء وفي اليوم التالي بداء القصف بشكل عشوائي، فسقط عدد من القتلى بالإضافة إلى إضرار بالممتلكات قبل اقتحام البلدة واثناء الاقتحام فر العديد من الاهالي باتجاه الجرود وخاصة الشباب وقد هرب مجموعة من الشباب من امام الجيش باتجاه منطقة وادي الأرنب.

وكان من ضمن هذه المجموعة عدد من المسلحين وكان يطاردهم الظابط بينوا بركات واعتقد كان برتبة نقيب ومعه جندي وهو يطلق عليهم الرصاص وعندم اصبحوا خارج البلدة اعترضته امرائة عجوز وقالت له “الله يرضى عليك يا ابني ارجع! ان قتلتهم هم ابناؤنا وان قتلوك انت ابننا”. فما كان منه إلا ان ازاحها عن طريقه بعنف ووقعت ارضا واكمل مطاردته وما هي الا دقائق حتى قتل واصيب الجندي وبذلك يكون عنفوان الشباب والعنف وحب السيطرة اقوى من صوت الحكمة والتعقل واصبح بينوا بركات شهيد حفظ الامن وقتل برصاص ابناء وطنه.

وبعد هذا الحادث المؤسف تفذت المشاريع المذكورة اعلاه ويعني ذلك ان عرسال متصالحة مع الدولة بعكس القناعة الراسخة بعقول ابنائها، ولا تداعيات او ذيول لاحداث 1958 وهذا لا يعني ان هذه البلدة حاصلة على حقوقها في التنمية والمشاريع الحيوية والخدمات والوظيفة العامة من الدولة بل هي ضحية مجموعة من العوامل والاسباب منها: اولا هي ضحية موقعها الجغرافي اذ هذا الموقع ميت سياسيا وبلا وزن في ظل النظام الطائفي البغيض، ثانيا ضحية النظام الطائفي القائم على المحاصصة، ثالثا وهذا الاهم عرسال ضحية ارباب الطائفة التي تنتمي اليها بغض النظر عن اسمائهم وتناقضاتهم وخلافاتهم، ونحن نعرف طريقة قسمة الجبنة على كل المستويات بين اركان النظام حيث المشاريع الانمائية  يتم التوافق عليها وتسخر مالاً انتخابياً وعرسال خارج اللعبة الانتخابية، والوظيفة العامة ان كانت مدنية او عسكرية يتم اشغالها بالتوافق وبالتساوي بين الطوائف. وحصة ابناء هذه البلدة في جيوب ارباب الطائفة ومافيا الوظيفة في الطائفة.

 

السابق
ميا خليفة وبشّار خليفة: سرقة الثورة السورية والبورنو «الديني»
التالي
إحباط محاولتي تهريب كوكايين في مطار بيروت