المربعات الأمنية لـ«داعش» تمنع جمع معلومات عن الطيار الأردني

كتبت صحيفة “الشرق الأوسط” تقول : أفرغ تنظيم “داعش” مدينة الرقة السورية من معظم سكانها، وحول المدينة منذ سيطرته عليها، إلى معقل له، يطبق فيها قوانينه، ويضطهد من لم يستطع من سكانها الرحيل، حتى باتت “مدينة الغرباء”، كما يقول ناشطون فيها، فيما غير معالم عدد من شوارعها، عبر تحويلها إلى مربعات أمنية، وقواعد عسكرية.

ويقول ناشطون إن مقاتلي “داعش” يحكمون السيطرة على كامل المحافظة الآن، وساهم البطش والتنكيل بالمعارضين السوريين “في تخفيض نفوذ الرأي المعارض له إلى حدوده الدنيا”. ويقول مصدر سوري عسكري معارض في شمال سوريا لـ”الشرق الأوسط” إن هذه القضية، “تقلص فرصة الحصول على أي معلومات عن الطيار الأردني أو سواه”، خصوصا أن مناطق كثيرة “باتت مربعات أمنية للتنظيم، لا يعرف السوريون عنها أي شيء”.

ولم تعد الرقة، منذ إحكام التنظيم سيطرته عليها في سبتمبر (أيلول) 2013، مدينة للسوريين. نزح كثيرون “هربا من الاضطهاد”، بينما اضطر مقاتلون من الجيش السوري الحر، إلى اللجوء إلى “مناطق محررة في ريفي حلب والحسكة” المحاذيتين، هربا من التنظيم. هنا، يقول ناشطون لـ”الشرق الأوسط”: “من ينفذ من أحكام الإعدام، لا ينفذ من الجلد، أو الاعتقال.. حتى إن النساء بتن مرصودات، منذ إنشاء التنظيم كتيبته النسائية (الخنساء) التي تتولى مهام أمنية متخصصة بالنساء، وتعتقل من لا يطبق قوانين التنظيم”.
وإزاء هذا الواقع، “خرج كثيرون من المدينة، فيما لا يجرؤ آخرون على إعلان معارضتهم للتنظيم، أو المشاركة في أي تحركات ضده”.

والرقة، أول مدينة سورية خرجت عن سيطرة القوات الحكومية عام 2012، وسيطر مقاتلو الجيش السوري الحر وكتائب إسلامية معتدلة، على قسم كبير من أريافها أيضا. وبقيت القوات النظامية السورية موجودة في 3 قواعد عسكرية في المدينة، وحاصرها مقاتلو المعارضة من غير أن يتمكنوا من السيطرة عليها. وفي ربيع عام 2013، أعلن تنظيم “داعش” عن أول وجود له في سوريا، تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، ودخل زعيمه أبو بكر البغدادي إلى أرياف الرقة وبلدات شرق حلب، قبل أن ينسحب مجددا، تاركا مهمة التمدد والسيطرة لقيادات عسكرية عنده. ويقول مصدر بارز في المعارضة السورية في ريف حلب لـ”الشرق الأوسط” إن مهمة أبو عمر الشيشاني، القيادي العسكري لـ”داعش” في سوريا، “كانت صعبة في بلدات حلب، نظرا لامتدادها وتنوع الفصائل فيها وقدرتها العسكرية”، مما دفعه، بحسب القيادي، “إلى البدء في الرقة التي كانت فصائل إسلامية بدأت تبرز داخلها، مما سهل عليه التغلغل فيها، وشراء قيادات منها وتحفيزها على الانشقاق عن فصائل إسلامية، تمهيدا لإعلان سيطرته على المدينة”.

في شهر سبتمبر 2013، أحكم التنظيم سيطرته على الرقة، وبدأ منها مشروعه التوسعي. واصطدم مع قيادات في فصائل إسلامية أخرى، وفصائل الجيش السوري الحر، مما أشعل معارك بين الطرفين إثر هجوم مضاد أواخر العام، نفذه مقاتلو الجيش السوري الحر و”جبهة النصرة” ضد التنظيم لتقويض تمدده. لكن التنظيم “المدعوم ماليا وعسكريا”، ويقاتل في صفوفه “عدد كبير من المقاتلين الأجانب”، تمكن من إحكام سيطرته، في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، على معظم أرياف الرقة ومدينتها، لتكون أول مدينة سورية تخرج عن سيطرة القوات النظامية بالكامل. وبدأ التنظيم بتطبيق أحكامه، بموازاة التوسع في مناطق شرق سوريا وريف حلب الشرقي، وصولا إلى الريف الشمالي لحلب، وبعض أنحاء محافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا.

أما العائق أمام السيطرة الكاملة على المحافظة، فتمثل في وجود القواعد العسكرية النظامية الثلاث. وأطلق التنظيم في أغسطس (آب) الماضي، حملة عسكرية على الفوج 93 التابع للقوات النظامية، أسفرت عن سيطرة “داعش” عليه، قبل أن يسيطر على الفرقة 17 في الرقة، ويحشد مقاتليه للسيطرة على مطار الطبقة العسكري، لتصبح المحافظة بأكملها خارج سيطرة النظام.

ويقول الناشط في المحافظة محمد الرقاوي لـ”الشرق الأوسط” إن التنظيم “حول شوارع في المدينة إلى مربعات أمنية له، بينها المتحف الوطني، ودائرة البريد، والمدينة الصناعية”، مشيرا إلى أن مناطق أخرى “باتت مغلقة أمام السوريين، كونها باتت مراكز أمنية، مثل شارع في وسط المدينة بات يعرف بـ(منطقة نفوذ الحسبة)”. وأوضح أن “الحسبة”، هي “جهاز أمني تابع للتنظيم، مهمته ملاحقة السوريين من غير التابعين للتنظيم، ويعتقلهم بتهمة الانتماء للجيش السوري الحر أو فصائل معارضة أخرى”.

وأخلى التنظيم عددا من مقراته العسكرية والمدنية في المدينة، منذ بدء طائرات التحالف العربي والدولي لمكافحة الإرهاب في سوريا، باستهدافه في معاقله، و”تغلغل مقاتلوه في أحياء المدنيين، بهدف تضليل طائرات التحالف، وردعها عن تنفيذ ضربات ضده”، كما يقول الرقاوي لـ”الشرق الأوسط”، مشيرا إلى أن مقاتلي التنظيم “باتوا يتحركون بأسلحتهم في أوساط المدنيين بشكل طبيعي، ويلاحقون من لا يعجبهم بتهمة التجسس لصالح النظام أو لصالح التحالف الدولي، أو لصالح تنظيمات متخاصمة مع (داعش) مثل (النصرة)، ويطلقون عليهم صفة (المرتدين)”.

ويفرض التنظيم قوانين جائرة بحق سكان الرقة. وتقول مصادر عسكرية معارضة في شمال سوريا لـ”الشرق الأوسط” إن محاولته فرض قوانينه على السكان “دفع كثيرين إلى إخلاء المدينة إلى مناطق أخرى، خصوصا مناطق سيطرة الجيش السوري الحر في ريف حلب الشمالي”، فيما باتت المدينة “معقلا للمقاتلين الأجانب الذين يفرضون سيطرتهم على الأحياء، ويشاركون في حملات اعتقال السوريين”.

السابق
هل أفشل العميل لاسرائيل “شوربة” عمليات «حزب الله» للثأر لمغنية؟
التالي
البابا في رسالة الميلاد: لإنهاء «الاضطهاد الوحشي» الذي يمارسه «داعش»