«بي بي سي» تبحث عن صور السوريين في «متحف الهولوكوست»

تتسابق المنابر الإعلاميّة العالميّة، في قصّ حكاياتها عن الحرب في سوريا. وفي خضمّ ذلك، لم يعد غريباً أن تكتشف في كلّ يوم مؤسسة إعلاميّة أو ثقافيّة جديدة تدخل السباق، سواء من خلال عرض فيلم، أو من خلال حملة إعلاميّة، أو معرض صور يهدف إلى توثيق معاناة السوريين. لكنّ تلك ليست الحال دائماً، فالمفاجآت من النوع غير السار تستمر في الظهور.

قبل أيّام، بثّت «بي بي سي» تقريراً بعنوان: «متحف الهولوكوست يعرض صوراً لتعذيب السوريين». يبدأ التقرير بعرض صور لضحايا المحرقة، وكيف «قضوا في واحدة من أبشع المجازر التي شهدها التاريخ»… ثمّ ينتقل للحديث عن صور تمّ تسريبها من داخل السجون السورية، هرّبها إلى الولايات المتحدة بحسب التقرير، مصوّر سابق في الجيش السوري، أدلى فيما بعد بشهادته أمام الكونغرس. يتخلّل التقرير تصريح للمسؤول في مركز الوقاية الجماعية من الهولوكوست، كاميرون هدسون، وهو يقول إنّ عرض تلك الصور اليوم جزءٌ من رسالة المتحف بأنّ «الإبادة الجماعية لم تنته». يناقش التقرير مدى مصداقية الصور، وسبل التأكد من صحتها. ينقل رد الحكومة السورية التي تنكر أن الصور مأخوذة في سجونها. يلتقي معدّو التقرير قتيبة إدلبي، المعارض السوري، في حديقة متحف الهولوكوست في واشنطن. يتحدث إدلبي عن تجربة اعتقاله بينما يجلس على المدرج الحجري للمتحف. ينقل التقرير عن وزارة الخارجية الأميركية اعتقادها بأن الصور «غير مزيّفة لكن العدالة بطيئة». وفي الوقت الذي تصور فيه كاميرا «بي بي سي» جغرافيا المكان والشعارات المعلقة هنا وهناك، تنسى فقط تفصيلاً هامشياً صغيراً. إذ تغيب طوال الوقت، وبصورة وقحة، أيّة إشارة حول دلالة متحف الهولوكوست ودوره التاريخي باعتباره أحد أشهر أضرحة اللوبي الصهيوني في العالم… كما لو أن الحديث يتم عن عرض صور تتعلق بالأزمة السورية في متحفٍ للفنونٍ الشعبية في مدينة نائية ما. وفي ذلك التجاهل المقصود، تكرّس «بي بي سي» خلطاً غير بريء بين زمنين وسياقين تاريخيين مختلفين، كأنّها تريد من المشاهد أن يركّز على صورة أحد السوريين المعذبين، ويتناسى الجدار المعلّقة عليه الصور.
اهتمام «بي بي سي» المستجدّ بالقضيّة، سبقته تقارير في وسائل إعلاميّة أخرى، منها تقرير أعدّه خالد خيري وبثته قناة «الحرة» الأميركيّة أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي (25/10). على غرار «بي بي سي» غرقت «الحرة» في ملابسات الحصول على الصور، وكيفية وصولها إلى المتحف، لتلتقي كذلك محمد علاء غانم، مدير العلاقات الحكومية في «المجلس السوري الأميركي» الذي يؤكد أن الغرض من نشر الصور في المتحف «هو التوجه للرأي العام»، كما لو أنّ الدنيا خلت من المنابر الذي يمكن استخدامها للغرض ذاته. تشير «الحرة» في تقريرها إلى أنّ المتحف يخصّص للمرة الأولى قسماً للحديث عن العرب.
افتتح متحف «الهولوكوست» في العام 1980، بعد قانون أصدره الكونغرس بالإجماع، يعتبر من أضخم متاحف العاصمة الأميركيّة، كما تغطّي أموال الضرائب 67 في المئة من ميزانيّته.
وبالعودة إلى الصور المعروضة على أنّها من سوريا، فقد سبق أن تمّ تداولها في الإعلام، ثمّ اختفت من واجهة الحدث، خصوصاً أنّ لا سبيل للتأكد من صحتها أو موثوقيّتها. ذلك أقل ما يجب الوقوف عنده هنا. لكن المؤكد أن هناك آلاف السوريين من المعتقلين والمشردين وأبناء الشهداء الذين يرفضون بصورة مطلقة على اختلاف انتمائهم السياسي، توظيف صورهم أو قضاياهم من قبل متحف الهولوكوست بما يمثله.
بغض النظر عن آلاف الخطوط الحمراء التي قد ترسم تحت أسماء مَن قاموا بنشر الصور في متحف الهولوكوست، أو مَن حاول تبرير ذلك باعتباره مجرد منبر يتوجه للرأي العام، قد يكون التوقف عند المقاصد الإعلامية للاهتمام بالخبر أكثر أهميةً هنا، خصوصاً أنه ليس بالجديد. إذ كانت المحرقة تاريخياً بمثابة الشمّاعة التي تشرعن وتبرّر، إعلامياً وسياسياً، كل جرائم العدوّ الإسرائيلي. كما كانت الحجّة التي كرّست ذهنية الضحيّة التي قدمت طوال سنوات التبريرات النفسية والفكرية لشتى الأفعال السادية التي ارتكبها الإسرائيليون بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
تريد وسائل الإعلام منّا تجاهل كل ذلك وتصديق أن رأس المال الصهيوني والقائمين على المتحف يأبهون حقاً لمعاناة السوريين. هذا إلى جانب تحويل الصهاينة من طرفٍ فاعل في الصراع، إلى حكمٍ يتعاطف مع الضحايا. والأخطر من ذلك أنها تريد من المشاهدين ربط الأزمة السورية بكل ما فيها من تعقيدات وأطراف متصارعة بمحرقة الهولوكوست، وذلك يعني بالمعنى الإعلامي حرق السوريين تحت غطاء الإضاءة على معاناتهم.

http://assafir.com/Article/17/391857

السابق
كيف نختار هدايا الميلاد؟
التالي
نوال الزغبي: أدعم عودة فضل شاكر إلى الفن