معرض بيروت وسكان الهوامش

خريف كلّ عام يعود معرض بيروت العربي الدولي للكتاب إلى المدينة، ومع عودته، تستعاد حكاياته وتفاصيله، الجيّد منها والسيّئ على حدٍّ سواء. يعود الحديث عن إقبال الناس، عن تذمّر دور النشر، عن جدوى الندوات اليومية، وعن حضور الشباب فيه..

يلتقي أبناء المدينة كلّهم في المعرض، أحبّوه أم لم يحبّوه، إن كانوا آتين لمجرّد التنّزه أو بهدف الشراء. هكذا تصير قاعة المعارض في “بيال”، مساحةً للقاء الكتّاب المفضّلين، و”الأعداء الفكريين”، كما يصير ملجأً للعشّاق وتبادل الملاطفات البريئة، وملعباً لطلّاب المدارس، ومكتبةً لا متناهيةً لمحبّي القراءة..
المعرض الذي يُختتم يوم غد الخميس، شهد إقبالاً كبيراً هذا العام، على العكس من السنوات القليلة الماضية، لكن من دون أن يعني ذلك أنّ المبيعات كانت مرتفعة. هذا الأسبوع يقدّم ملحق “شباب السفير” ملفّاً متنوّعاً عن معرض هذا العام، عن الصعوبات التي يواجهها الكتّاب الشّباب مع دور النشر، عن أبناء المناطق الذين يشكّل لهم المعرض فرصةً لـ”تموين” مكتباتهم، كما عن حفلات التوقيع والناس الذين يكرهون المعرض. إضافةً لما سبق، هناك أولئك المجهولون، الواقفون على الهامش، والذين يعملون بصمت، من دون أن يعني لهم المعرض أو الكتب الكثير، لكن في الوقت نفسه لا يمكن للمعرض أن يستمر من دونهم.

عاملة الكافتيريا

  • معك ثلاث دقائق فقط، أنظر للناس. إن رآني المدير سيوجّه لي ملاحظة بسببك..
  • هل تقرئين الكتب؟
  • لا، لا أقرأ الكتب، ولا الشعر ولا الروايات، تخيّل نفسك مكاني. آخذ الـ”بون”، أسرع إلى البراد، آتي بما يريده الزبون، وأعود بسرعةٍ لأناوله إياه، وآخذ الطلبية من شخصٍ آخر، وهكذا دواليك. ثمّ عليك أن تشرح لكلّ شخص أن عليه أن يدفع على الصندوق، وأن يأخذ الـ”بون” من المحاسب، ليعطيني إياه. هذا كلّه عدا عن أولئك الذين “يتظارفون”، ويحاولون التقرّب منّي، فأُضطر للابتسام لهم، أو أولئك المتردّدين: “واحدة ليمون، واحدة كوكتيل، أو لقلك اثنين كوكتيل، أو لقلك لحظة لإسأله ع شو بدو العصير”.
  • يعطيكِ العافية، هل تجوّلتِ في المعرض؟
  • قلت لك القراءة لا تعنيني، وأنا بالكاد أصل على موعد الدوام أصلاً. متى سيكون بإمكاني التجوّل في المعرض؟ وحتّى لو كان معي وقت فلماذا سأتجوّل أصلاً.
  • حتّى في المدرسة؟ يعني لم يجذبك شيءٌ في كل منهاج اللغة العربية؟
  • حسناً، بلى. في المرحلة الثانوية درسنا قصيدة كان والدي يغنّيها دائماً. أعتقد أنّها كانت لإيليا أبو ماضي، يقول فيها: “ولقد أبصرتُ للدنيا طريقاً فمشيت”، أعتقد أنّ اسمها لست أدري. كنت أحبّ أن أسمعها بصوت عبد الحليم حافظ، لا بصوت والدي طبعاً.
  • طيب، ما رأيك بالمعرض؟
  • لستُ أدري (تضحك). أمزح، صدقاً الموضوع لا يعنيني، لكن معظم من أراهم هنا، يأتون من دون كتب. أعتقد أنّهم يتجولون، يصرفون بعض السعرات الحرارية، ثمّ يأتون لعندنا كيّ يعوّضوها (تضحك).

حارس الأمن

  • ماذا تعمل هنا؟
  • أعتقد أنّني “سيكوريتي”، ما هذا السؤال؟
  • لا، أقصد ما الذي تفعله خلال مناوبتك؟
  • أقف طوال النهار، وأتحمّل ثقل دم الناس. عليّ أن أخبر كل شخص أنّ ليس بإمكانه الخروج من باب الدخول، ثمّ يجب أن أشرح لكل واحدٍ فيهم لماذا لا يمكنه الخروج من الباب نفسه الذي دخل منه. الأكثر إزعاجاً بين الجميع هم طلّاب المدارس، يأتون ويخرجون جماعاتٍ من الباب نفسه سبعين مرّة، من دون أن يتمكّن أحدٌ من إيقافهم.
  • ما الذي يختلف بين هذا المعرض والمعارض الأخرى؟
  • لا يوجد اختلافٌ كبير، ربّما هناك تنوّعٌ أكبر في أصناف الناس الذين يأتون إلى هنا. يعني يمكنك أن تجد أناساً من مختلف الطبقات والطوائف. في معارض أخرى، قد لا تجد سوى أناسٍ أغنياء، أو الكبار في السن فقط. هنا تجد الجميع.
  • عرس وطني جامع، طيب، هل تجوّلت في المعرض كزائر، لا كحارس أمن؟
  • كانت شقيقتي قد طلبت منّي جلب بعض دفاتر التلوين لابنتها الصغيرة، فدخلت واشتريت بعضاً منها.
  • لا أعتقد أنّها كانت عمليّةً صعبة؟
  • إيجاد دفاتر التلوين لم يكن صعباً، لكنّني قضيت وقتاً لا بأس به في المفاضلة بين الأسعار.
  • وأنت هل اشتريت شيئاً لك؟
  • للصراحة لم أكن مهتمّاً بالقراءة يوماً.. أعرف أنّها أمر مهم.. أقرأ الجرائد من وقتٍ إلى آخر، لكن ليس لديّ وقتٌ للقراءة. عملنا منهكٌ جدّاً. لكنّني في بعض الأحيان أقرأ أشعاراً لنزار قبّاني على “فايسبوك”، البارحة مرّت صبيةٌ أعجبتني، ربّما كان عليّ أن ألقي عليها شيئاً منها..

بائع الكتب

  • هل حركة البيع نشطةٌ هذا العام؟
  • لا، ليس هناك حركةٌ كبيرة. نبيع، لكن ليس بشكلٍ كبير.
  • أنتم العاملون في دور النشر تتذمّرون دائماً، وتقولون إنّه لا توجد مبيعات، رغم أّنّ المعرض هذا العام مليء بالناس، وفيه ازدحام حقيقي..
  • حركة بلا بركة.. يعني البارحة كان هناك توقيع لأحلام مستغانمي، البلد بأكمله كان هنا، لكن لا أحد اشترى كتباً غير كتابها. هناك الكثير من الزوّار، صحيح. لكنّ عدد المشترين قليل. رغم أنّني أملك رواياتٍ صارت شبه مفقودة، أنظر إلى هذه الطبعة من “الحب وشياطين أخرى”، قل لي أين يمكن أن تجد منها بعد. أتحدّاك أن تجد منها في أيّ مكتبة أو دار نشر.
  • إذاً المشكلة، هي نفسها كلّ عام..
  • المشكلة الوحيدة بالنسبة لي هي أنّني لا أستطيع التدخين. أضطرّ إما للتدخين سرّاً داخل القاعة، وإما انتظار “الأوقات الميّتة” لأتمكّن من الخروج وأخذ سيجارة على السريع.
  • عدا التدخين، كيف تمضي الوقت هنا، حين لا يكون هناك زبائن؟
  • أتناول كتاباً وأقرأه، أنهيت أربعة كتبٍ حتّى الآن. “جحا جابن، جحا أكلن” (يضحك).
  • يمكنك إذاً أن تلعب دور “المكتبجي المثقّف” وتنصح المشترين بالكتب الأفضل لقراءتها..
  • ليس كثيراً، معظم المشترين، يأتون وقد حدّدوا اختياراتهم مسبقاً. لذا فأنا أنجح بإقناع المراهقين وصغار السن أكثر. أقول لهم: “هذا لتولستوي، لم تقرؤوا لتولستوي؟ إذن فأنتم لم تقرؤوا شيئاً في حياتكم بعد”، وهكذا.
  • السؤال الأخير، هل ذهبت إلى بقية الدور؟ أو اشتريت شيئاً منها؟
  • بالتأكيد، لكنّني لم أشترِ شيئاً. لم أجد لديهم كتباً أهم من التي عندنا (يضحك)..

عاملة التنظيفات

  • ألا تملّين من العمل في المكان نفسه كلّ يوم؟
  • اعتدتُ على ذلك. أنظّف الحمامات، أمسح الأرضية والزجاج، ثم أجلس بجانب باب الحمام، أتفرّج على النساء اللواتي يدخلن ويخرجن طوال الوقت. بعضهن محجبات، البعض الآخر ليسوا كذلك. هناك الفتيات الصغيرات، كما النسوة الكبار في السن الذين يأتون بكامل أناقتهم. أتسلى أنا وصديقاتي بمراقبتهن، البعض منهن يكنّ مضحكاتٍ جدّاً بتصرّفاتهن. كلّ ساعة تقريباً ندخل وننظّف المكان، ثم نعود إلى مكاننا من جديد.
  • لم تدخلي إلى المعرض ولا مرّة بعد؟
  • كلا، لماذا عليّ أن أدخل؟ عملي محصورٌ هنا.
  • أقصد كزائرةٍ للمعرض، لا كعاملة في القاعة.
  • حتّى وإن أتيت كزائرة، وتجوّلت في المعرض. أنا لا أستطيع القراءة باللغة العربية، وبالكاد أستطيع التكلّم بها.
  • لو كنتِ في بلدك، كنتِ ستذهبين إلى المعرض إذاً؟
  • في بلدي لا يُقام معرض كما هنا، مساحته أصغر بكثير، والزوار ليسوا بالكثافة نفسها أيضاً. كنت أذهب في بعض الأحيان. لكنّني كنت أشتري القليل من الكتب. لم أكن أملك المال، هذا سبب مجيئي للعمل هنا.
  • كم مضى على وجودك هنا؟
  • عامٌ تقريباً، عليّ أن أبقى لعامين إضافيين. بعدها سأعود لأكمل دراستي الجامعية. أرغب بدراسة الأدب الإنكليزي. كنت متفوّقةً في مواد اللغة في المدرسة، وما زلت أقرأ رواياتٍ وأستمع إلى أغانٍ بالإنكليزية إلى الآن، كي لا أنسى ما اكتسبته في المدرسة.
  • ما الرواية الأخيرة التي قرأتها؟ هل أحببتها؟
  • “عدّاء الطائرة الورقية” لخالد حسيني، أنهيتها قبل أيام. كانت جميلةً جدّاً، بكيت كثيراً أثناء قراءتها.
السابق
مقتل 3 صحافيين سوريين في انفجار صاروخ
التالي
فليتشر بعد لقائه ميقاتي: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي