في وداع الشحرورة: استُقبلت بالزغاريد قبل أن تعانق تراب ضيعتها

لم يكن اليوم دفنها بل عرسًا لها، اليوم اجتمع محبّوها لينفذوا وصيّتها، ليفرحوا ويحتفلوا معها برحلتها الأخيرة إلى أحبائها الذين سبقوها، اليوم عادت إلى ضيعتها التي أحبّتها وبادلتها الحبّ، عادت إلى بدادون لتقبّل تراب الأرض التي شهدت على طفولتها وفترة صباها، تلك الأرض التي أخرجت إلى العالم صبيّة شقيّة تحوّلت إلى رمز من رموز لبنان، إنها صباحه التي لا تغيب ولن تغيب. ماتت جانيت الفغالي لكن صباح باقية.

الفرح يخيّم في وداعها
على وقع أغانيها التي صدحت في سماء بيروت، احتشد الناس قرب كاتدرائيّة مار جرجس للموارنة في وسط بيروت منذ الصباح الباكر، لبسوا الأحمر وأعلام لبنان، وصفقوا وردّدوا أغانيها الكثيرة، حملوا الورود وصورها، نفذوا وصيتها وضحكوا وغنوا ورقصوا في وداعها الأخير.

الراعي في جنازة صباح: أدت رسالة زرع الفرح
توافد الفنانون الذين أجمعوا على اعتبارها قدوة لهم بالتواضع والمحبّة، قدم أصدقاء رافقوها خلال مسيرتها، لعب العازف جوزف أيوب على الناي أغانيها الشهيرة، وعزفت الفرقة الموسيقيّة العسكريّة مجموعة من أغانيها نزولًا عند رغبتها.

حرص كثيرون على المجيء للمشاركة في وداعها الأخير من سياسيين وفنانين نذكر منهم رئيس الحكومة تمام سلام، الوزير محمد المشنوق، الوزير الياس بو صعب، الوزيرة أليس الشبطيني، والفنانين ماجدة الرومي، نجوى كرم، وليد توفيق، راغب علامة، مادونا، هيفا وهبي، سميرة بارودي، جوزف عازار، نقولا الأسطا، ورد الخال، صلاح تيزاني، إحسان صادق، الياس الرحباني، هشام الحاج، فادي لبنان، عمر محيو، ماغي بو غصن، رفيق علي أحمد، وغيرهم.

الفنانون يتذكّرونها
يقول طليقها فادي لبنان الذي رافقها لسنوات : صباح لا تعوّض، صباح رمز من رموز لبنان، وصورة شامخة عنه، هي لا تموت بل باقية”، هو نفس ما قاله عمرو محيو، ملك جمال لبنان السابق، الذي ساعدته وساهمت في تسليط الضوء عليه: “صباح هي لبنان حلو التي لا تموت”.

يتحدّث الفنان جوزف عازار والغصّة في قلبه: “الأحباب يودّعون الأحباب، صباح قامة فنيّة، وتاريخ وطن، اليوم سنحتفل كما أوصتنا ولن نحزن”، وهو نفس ما قاله الفنان وليد توفيق : “جانيت فغالي ماتت لكن صباح لا تموت، بل ستبقى دائمًا”.

أمّا الفنان نقولا الأسطا فاعتبر ان “صباح قدوة لنا بالتواضع والمحبة، إنها تاريخ ولا تختصر بكلمة”، فيما عبّر الفنان هشام الحاج عن حزنه في وداع الصبوحة، وقال: “أنا حزين في وداع رمز من رموز الفن العربي”.

وقالت الفنانة المصرية لبلبة التي بدت متأثرة جدا وهي تسير خلف النعش باكية: “أعزي الدنيا كلها بحبيبة قلبي صباح. عمر طويل بيني وبينها اشتغلت معها وأنا في السن الثامنة من عمري فيلم (يا ظالمني) ومنذ ذلك الحين بقينا على تواصل مع بعضنا البعض دائما”.

الناس والصحافة يحتجون
إلى ذلك، خرج نعش الشحرورة من فندق برازيليا في الحازمية على وقع الدبكة وأغنية “تعلى وتتعمّر يا دار”، توقف الموكب مرّات عدّة على حواجز محبّة نصبها الناس على الطرقات ليودّعوا شحرورتهم الغالية، ثمّ وصل النعش إلى وسط بيروت عند الظهيرة حيث علت الأصوات مردّدة أغنية “جيب المجوز”، وأخذ الناس يغنون “جيب المجوز يا عبود ورقّص أم عيون السود”، فيما يتراقص نعشها على أكتاف المحبين، وقبل إدخالها إلى الكاتدرائيّة لفّ بعلم لبنان حيث احتفل البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بالصلاة على نفسها.

ذكّرنا البطريرك بتاريخ الصبوحة، كيف كبرت في ضيعتها ورافقت عمّها شحرور الوادي، كيف ثابرت لتحقّق حلمها، كيف تركت إرثًا كبيرًا للبنان والعالم العربي والعالم، كيف جالت مسارح العالم وحملت همّ لبنان وصورته.

وقال: “صباح ادت رسالة زرع الفرح في قلوب الجماهير اللامحدوة من خلال 4000 اغنية بكل اللهجات و90 فيلما وعشرات المهرجانات وزرعت الفرح بابتسامتها الدائمة وحبها للحياة باناقتها وتواضعها، بسرعة البديهة والنكتة الحاضرة بنوع خاص في قلوب الفقراء والمعوزين واسهمت في بناء الكنائس وقاعات رعوية، كانت مواظبة على الصلاة لانها سلاح تحارب بواسطتها الاكتئاب”.

وختم البطريرك: “إنها صباح المتألقة، المتواضعة، رفيقة المجد. إنها صباح التي ختمت أيّامها بتواضع مع الربّ، ومحاطة بدفء عاطفة المحبيّن وصلاتهم “.

قبل ذلك، احتج الناس والصحافيون من منعهم من الدخول إلى باحة الكنيسة وتصوير مراسم الدفن والصلاة على جثمانها، لأن إحدى المحطّات اللبنانيّة (MTV) أخذت الحقّ الحصري في نقل الحدث، فعلت الأصوات والصراخ: “صباح لكلّ لبنان، عيب الي عم يصير”، فيما ردّد آخرون: “لقد أخذتم كلّ ما لديها خلال حياتها، وما زلتم تسعون لاستغلال اسمها حتى في مماتها”.

هكذا ودّعت الشحرورة، هكذا ذهبت إلى أحبابها الذين سبقوها، ورافقوها خلال مسيرة طويلة قدّمت فيها أجمل الأغنيات الخالدة، وسطّرت صورة جميلة عن لبنان الفنّ والمحبّة والفرح. يا صبوحة، يا شحرورة، وادعًا.

السابق
‘جرعة زائدة’ من المخدرات تتسبب بوفاة شاب وفتاة
التالي
مؤسسة أديان تختتم مؤتمرها الدولي: هل توحد داعش العالم؟