اوباما يرمي الكرة في ملعب الجمهوريين

قد لا يكون وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، آخر العقد الذي بدأ ينفرط في سبحة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبيل بدء العَدّ العكسي لنهاية عهده. فالتوقّعات تشير ايضا إلى أسماء كبيرة، في مخاضٍ سيكون عسيراً على كلّ من صنّاع السياسة في الولايات المتحدة أو في الخارج.

بُعَيدَ إعلان نتائج الانتخابات النصفية لمجلسَي الشيوخ والنواب الأميركيين، تحدّث كثيرون عن احتمال إعلان عدد من المسؤولين استقالتهم، وفي مقدّمهم هيغل. فيما لم يكن خفياً أنّ حالةً من عدم اليقين تسود صفوفَ المؤسسة العسكرية الأميركية نفسها، وهو ما بدا جليّاً في تمايُز موقف رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية مارتن ديمبسي من الحرب على «داعش» وملفات كلّ من العراق وسوريا وتركيا وإيران.
في جلسة خاصة مع عدد من الصحافيين، وصفَ أحد المسؤولين الأميركيين الوضع الحالي لصناعة القرار السياسي في واشنطن، بأنّه ليس «كالبطة العرجاء» على ما درجَت تسمية السنتين الأخيرتين من عهد آفِل، بل بحالة من عدم اليقين وضيق الخيارات، حتى ولو انتُخِب رئيس أميركي جمهوري جديد اليوم.
وقال: «إذا كان صحيحاً وصفُ مرحلة أوباما بأنّها الأكثر تردّداً في تاريخ الولايات المتحدة، بسبب طبيعته السياسية والإيديولوجية، وتبنّيه أفكارَ ما يدعى «اليسار المسالم»، إلّا أنّ تلك الرؤية اصطدمت بوقائع جيوسياسية كبرى، تضرب مختلف أرجاء الكرة الأرضية، في زمن الانهيارات الكبرى لقيَم ومبادئ وتحالفات مضَت إلى غير رجعة».
ولفتَ إلى أنّ استقالة هيغل «تعكس نسبياً هذا التمايز في كيفية المواءَمة بين متطلبات قيادة عالم تسوده الفوضى سلمياً ومحاذرة استعمال القوّة. فهو والمؤسسة العسكرية الأميركية تحَدّثا مبكراً عن استحالة خوض حرب ناجحة ضد «داعش» في العراق ما لم يُفرَض مناخ مختلف لأسلوب قيادة هذا البلد».
واعتبرَ أنّ «إنهيار التسوية مع إيران التي قادت إلى خروج الجيش الأميركي من العراق، يتطلب البحثَ عن تسوية جديدة بعقلية وبأولويات مختلفة.
وفي سوريا لم يكن الحال أفضل، فالرجل كان يقول علناً: «إذا لم نكن نرغب في إزاحة الرئيس بشّار الأسد عن السلطة ولو بشكل موَقّت، علينا أن نكون واضحين في تحديد أهدافنا وفي كيفية التعامل مع حلفائنا الآخرين».
وشدّد مراراً على «أنّ أسلوب الضربات الجوّية الطويل المدى لن يحقّق الأهداف المرجوّة، ما لم توضَع استراتيجية واضحة لكيفية بناء البديل عن كلّ من نظام الأسد والجماعات المتطرّفة».
كِلفة الغارات الجوّية تبعاً لمصادر «البنتاغون» ستتجاوز ثلاثة مليارات دولار كلّ ستة أشهر، وإذا كانت إدارة أوباما تؤكّد أنّ الحرب قد تستمر نحو عشر سنوات، عندها ما الفرق بين دفعِ الكلفة مرّة واحدة من خلال عمل جدّي ومباشَر وبأسلوب مختلف، أو دفعِها بالتقسيط الممِلّ، مع ما قد يُنتجه ذلك من نتائج عكسية وصعوبات جديدة ؟
وبالعودة إلى نقطة الخيارات المحدودة التي تواجه أوباما أو أيّ إدارة أميركية أخرى، يقول هذا المسؤول: «إنّ المنطقة لا تقدّم للأسف خيارات جيّدة، فيما أفُق التغيير فيها مقفَل».
أوباما الذي أراد الانفتاح في بداية عهده وقبل اندلاع أحداث ما سُمّي «الربيع العربي» على المنطقة، اصطدمَ سريعاً بحدود ما يمكن إنجازه على هذا الصعيد. وفي ما بعد، انتهى الرهان على تيار الإخوان المسلمين إلى كارثة سياسية بكلّ ما للكلمة من معنى.
وها هي تركيا تحت قيادتها الإسلامية «المتجدّدة» تصيبُ صُنّاع القرار الأميركي بخيبةِ أمل جديدة، مع عودة نائب الرئيس جو بايدن أكثر اقتناعاً بأنّ تجاربَ حُكم الإسلام السياسي آفلة على تكرار الإخفاقات التي تضرب في كلّ مكان.
يضيف المسؤول نفسُه «إنّ تجربة العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست أفضلَ حالاً، فيما التأجيل والمماطلة في حلّ ملفّها النووي لم يؤدّ إلّا إلى تأجيل توقيع الاتفاق معها».
ويؤكّد أنّ كلّ التحليلات والتكهّنات التي كانت تشير إلى محاولة أوباما تحقيقَ «إنجاز» في هذا الملف ليتوّج به عهدَه، لم تكن صحيحة، في الوقت الذي يدرك فيه أنّ حظوظ توقيع اتّفاق كهذا مع «قيادة إسلامية» من هذا النوع، لن يفضيَ إلى أيّ نتيجة.
وبما أنّ إنتاجَ القنبلة النووية الإيرانية مؤجّل، سواءٌ بسبب الإخفاقات العلمية أو بسبب الضغوط (علماً أنّ كشفَ تقرير استخباريّ عن تراجع مخزون إيران من الغاز النووي قد يكون من بين الأسباب التي أدّت إلى تمديد المفاوضات معها) فإنّه من نافل القول إنّ إحداث تغيير في سياسات إيران الإقليمية يحتاج إلى أدوات ضغط خارجية، بعدما بدا واضحاً أنّ الوضع الداخلي الإيراني عاجزٌ عن إحداث هذا التغيير.
لذلك، فإنّ أغلبَ الظنّ يقود إلى توقّع استمرار سياسة الاستنزاف التي توَرَّطت بها إيران من العراق إلى اليمن. ويقول هذا المسؤول أخيراً «إنّ أوباما يَعلم بصعوبات تعيين وزير دفاع جديد، بعدما سيطرَ الجمهوريون على مجلسَي الشيوخ والنواب. فإذا لم تتمّ الموافقة على أيّ اسمٍ من الأسماء المتداوَلة أخيراً لشغلِ هذا المنصب، فيرجّح أن يلقيَ الكرة في ملعب الجمهوريين ليختاروا هم وزيراً للدفاع قد يكون من صقورهم.
وفي هذه الحالة يكون أوباما قد أعفى نفسَه من تحمُّل مسؤولية اتّخاذ قرار جديد بتصعيد الحرب، ليلقيَها في ملعب الجمهوريين».

 

 http://www.aljoumhouria.com/news/index/189086

السابق
توقيف أخطر خبير كيميائي ومصنع لحبوب الكبتاغون
التالي
الضمان يضبط 3311 أجيراً مكتوماً و 414 أجيراً وهمياً