حرب لبنان المقبلة: التاريخ يعيد نفسه

اذا كان التاريخ سيعيد نفسه، وهو سيفعل بلا ادنى شك، فانه يجوز التكهن بان العد العكسي للحرب المقبلة بين اسرائيل وحزب الله قد بدأ لحظة الاعلان عن فشل مفاوضات فيينا النووية الاميركية الايرانية، التي كانت وستبقى المقياس الاهم لدرجات التوتر على الحدود اللبنانية الجنوبية، والاداة الابرز في تعديل مواقف المفاوضين الاميركيين والايرانيين.. والاسرائيليين طبعا.

الذاكرة لا تزال حية: في حزيران العام 2006 رفضت طهران بشكل مفاجىء عرض الحوافز الشهير (والمغري فعلا بالمقارنة مع العروض اللاحقة) الذي قدمه الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن الى نظيره الايراني في ذلك الحين محمود احمدي نجاد، من اجل التخلي عن برنامجها النووي المثير للجدل. كان الرد الايراني الصريح يومها، ان اسرائيل التي تتحمل مسؤولية التحريض على ذلك البرنامج ستدفع الثمن المباشر، خصوصا وان اكثر من مليون نسمة من سكانها تحت مرمى الصواريخ الايرانية. فكانت الحرب بعد اسابيع. ونزل مليون اسرائيلي الى الملاجىء.. وفر نحو مليوني لبناني من منازلهم، بعدما سقط منهم اكثر من 1300 شهيد ونحو 11 الف جريح.

السيناريو نفسه سيتكرر، برغم ان مسؤولية اسرائيل عن إفشال مفاوضات فيينا الاخيرة ليست ثابتة بعد. لكن المؤكد ان اعلان الفشل كان بمثابة الضوء الاخضر للحرب، وبالشكل والاسلوب نفسه الذي جرى في العام 2006 تماماً : الكونغرس الاميركي ذو الغالبية الجمهورية سيباشر اعتبارا من الاسبوع المقبل بحث وأقرار لائحة جديدة من العقوبات الاميركية المشددة على ايران، ليس فقط للرد على الموقف الايراني في فيينا بل ايضا لمعاقبة الرئيس الديموقراطي باراك اوباما على رهانه الدائم على التفاهم والتصالح مع طهران.. ولممالأة اسرائيل التي كانت ولا تزال تزعم ان الايرانيين باتوا قاب قوسين او أدنى من القنبلة الذرية.

عندها سيرتفع منسوب التوتر على الحدود اللبنانية الجنوبية، ان لم يكن قد ارتفع بالفعل منذ اعلان الفشل في فيينا مساء الاثنين. وسيكون من شأن اي تسلل او خطأ او حتى شرود قطيع ماعز ان يشعل الحرب التي لوح بها الاسرائيليون مرارا على مدى الاسابيع القليلة الماضية وهددوا صراحة باعادة لبنان الى العصر الحجري، كما أكد حزب الله  اكثر من مرة انه جاهز للقتال وجاهر قبل أيام بانه تسلم صواريخ الفاتح الايرانية الصنع البعيدة المدى والاكثر دقة وتدميراً من كل ما يملكه في ترسانته.

لن يكون الرد الاميركي- الاسرائيلي على فشل فيينا الا في لبنان. وكذلك الامر بالنسبة الى ايران، التي تعرف ان لجوءها الى الرد في العراق او سوريا او حتى في اليمن لن يكون مجدياً او وارداً حتى، لان التفاهمات الاميركية الايرانية في البلدان الثلاثة ما تزال صالحة وهي ذات منفعة متبادلة، في مواجهة الاصولية الاسلامية السنية التي تهدد نفوذ طهران وواشنطن معا وتعتبرهما عدواً واحداً.. وهو ما لا ينطبق حتى الان على الجبهة اللبنانية التي يخوض منها حزب الله مواجهة صعبة مع تلك الاصولية، لا تؤهله لكي يصبح قوة فصل حدودية، لا في الجنوب ولا في الشرق.

لسوء الحظ، يبدو ان للحرب المقبلة على لبنان مبررات داخلية اسرائيلية وايرانية واميركية قوية ايضا. فهي مخرج اسرائيل من المتطلبات والضغوط الفلسطينية المتزايدة، وربما ايضا من الخلافات التي تعصف بحكومة بنيامين نتنياهو، وهي مدخل اسرائيل لاستعادة الود المفقود مع واشنطن من خلال تفعيل وتنسيق الحملات المشتركة، العسكرية والسياسية والاقتصادية، على طهران.

وكذا الامر بالنسبة الى ايران. فقد فشلت مفاوضات فيينا  لاسباب إيرانية داخلية. ليس المرشد آية الله علي خامنئي جاهزا للتوقيع على صفقة المصالحة التاريخية مع الشيطان الاكبر. هو الآن في سنواته الاخيرة، يصارع المرض، ولا يود ان ينهي حياته بمخالفة وصية الراحل آية الله الخميني، ولا ان يتحول الى رهين الاصلاحيين الايرانيين، او الى حبيس المحافظين الذين يستعدون لمعركة خلافته كما لو انها حرب عالمية. الانتظار مخرج مناسب للجميع في ايران.. بقدر ما هو الخيار الانسب تجاه رئيس اميركي لم يعد يتمتع بالقدرة الكافية على صنع مثل هذا القرار الاستراتيجي. المنطق الايراني البسيط يقول انه اذا كان الاتفاق النووي مطلوباً وممكناً فليكن مع خليفة الرئيس باراك اوباما.

كان المشروع النووي الايراني ولا يزال يمثل، حتى اللحظة على الاقل، أحد أهم معايير بناء الثقة بين البلدين والشعبين الاميركي والايراني. لذا فان الفشل في فيينا، من وجهة نظر اميركية، يعني نهاية حقبة طويلة روج فيها الرئيس اوباما وعمل بجد من اجل تعميق التقارب مع ايران بما تمثله من واقعية سياسية وعصبية مذهبية موازية ومكافحة للاصولية السنية الخطرة.

الامل الوحيد بل الرجاء الأوحد للبنان، هو ان يكون انهيار مشروع المصالحة التاريخية بين ايران واميركا مقدمة لحرب مباشرة بين البلدين، لا يستخدمان فيها أياً من أدواتهما وقرابينهما.. لكن الاميركيين والايرانيين أثبتوا على مدى العقود الماضية انهم أذكى من ان يتورطا في الحرب وجهاً لوجه.

السابق
مخطوف أم خاطف؟
التالي
بعد فيينا: 7 أشهر ساخنة