المجتمع السليم في العقل السليم

مجلس النواب
نام مثقفو لبنان على واقع التمديد لمجلس النواب. لم ينتفضوا او يتحركوا، بعضهم بارك هذه الخطوة ونظّر لها. آخرون بقوا صامتين لا يفعلون شيء.

“ان مثقفي ما بعد الحداثة اليوم يعلون من شأن الكفاءة لا القيم العامة العالمية مثل الحقيقة والحرية”، الفيلسوف الفرنسي ليوتار.
ان قول “ليوتار”، ينطبق اليوم بشكل كبير على واقع مثقفي لبنان، حيث أصبحت الاغلبية الساحقة تتغطى بعباءة “السلطة” وتستقطب من قبلها، والسلطة في لبنان مقسمة بين الطبقة السياسية الحاكمة مما يجعل من أغلبية المثقفين مجرد جنود لدى هذا الفريق أو ذاك. يحاربون بسيفه ويستخدمون طاقاتهم الفكرية في طريق موجه يخدم فئة معينة، في وجه الفئات الأخرى. هذا الصراع الداخلي يجعل رسالتهم تنحرف عن هدفها الصحيح وهو المصلحة العامة والعمل على ايجاد حلول لمشاكل تهدد المجتمع والكيان.
يعتبر “ميلز” أن “المفكر المستقل من الشخصيات القليلة الباقية المؤهلة لمقاومة ومحاربة تنميط كل ما يتمتع بالحياة حقا وقتله”.
لقد أثار منذ حوالي الاسبوع وزير الصحة وائل أبو فاعور قضية المواد الغذائية الفاسدة ونشر أسماء بعض المؤسسات والمطاعم التي لم تتقيد بمعايير السلامة العامة. هذا أمر طبيعي ان كنا نعيش في بلد طبيعي لديه مؤسساته وانظمته وتطبق فيه قوانين الرقابة والمحاسبة. لكن في لبنان اعتبرها كثيرون من اصحاب الاقلام بالسابقة وتحدث بعضهم عن جرأة الوزير، وذهب بعضهم لانتقاد الوزير. كما وجهت سهام كلماتهم نحو نوايا الوزير، واللافت أكثر أن في لبنان يأخذ أي عمل مباشرة أبعاد سياسية، فاحد السياسيين وضع صورة له مع احدى منتجات المؤسسات وهو يأكلها كرد على الوزير. من المؤسف رؤية هذه الحركات الصبيانية، في قضية تمس الأمن الغذائي لشعب بأكمله.
يمكن أن نتفهم دفاع السياسي عن مؤسسة ما. يمكن أن تكون من الممولين له أو الداعمين له، ولكن ما لا نفهمه هو دفاع بعض ممن يعتبرون انفسهم مثقفين عن قضية فساد، متناسين دورهم الحقيقي ورسالتهم وهي التذكير بما هو منسي. فالسلطة والمتمثلة بالطبقة السياسية تعمل بما يصب في مصلحتها وليس في مصلحة المجتمع اوالشعب. وهذا ما اعتدنا عليه في لبنان وغير لبنان، ولكن في بعض الدول الأخرى نرى أصوات تصدح في وجه الطبقة السياسية وتنتقدها وتعمل على ابراز بعض القضايا التي تحاول السلطة طمسها في غياهب النسيان. فكما حصل في الولايات المتحدة ابان حرب الخليج 1991 حينما أرادت اميركا أن تنسي شعبها ماسي حرب فيتنام، فبرز بعض الكتاب والمثقفين ليذكروا الشعب الامريكي بماسي الحرب لكي لا يشرب من الكأس المُرة أكثر من مرة.
في لبنان نكاد لا نجد سوى بعض الاصوات الخافتة تثير بعض القضايا التي تهم المجتمع والوطن بأكمله. وهذا ما نكاد نلحظه في عملية التمديد الأخيرة لمجلس النواب اللبناني. اذ نلاحظ أن معظم الكتاب والمثقفين اتفقوا بشكل مباشر أو غير مباشر على التسويق لمزايا التمديد الذي يتنافى كليا مع مفهوم الديموقراطية التي يعتبرها مثقفو اليوم احدى مزايا الانسان المتحرر، وقد ذهب بعضهم الى مهاجمة من ينتقد عملية التمديد من المجتمع المدني والشعب.
ما ذكر لا يعني أنه يجب على المثقف او المفكر أن يكون فقط ناقد للسلطة، بل يجب أن يرى الواقع من زاوية عاكسة لتطلعات الشعب ومصالح المجتمع، بعيدا عن الانسياق وراء فئة أو اخرى يعمل على تكريس جهده وفكره لخدمتها حتى لو تناقض ذلك مع مفهوم المصلحة العامة والمصلحة الوطنية.
اننا نريد في لبنان أصحاب عقول عقلاء متعلقين بوطنهم يعملون على توجيه أفكارهم ومجهودهم،
نحو طريق ايجاد الحلول للقضايا التي تمس امن المواطن والوطن، الأمن الاجتماعي والسياسي والثقافي. فوظيفة المثقف ليست الدفاع عن هذا السياسي أو ذاك بل هي العمل على ابراز الخلل وتوعية الشعب والعامة من أجل بناء مجتمع سليم يبني وطنا معافى.

السابق
«Nancy» تصل خلال الأيام المقبلة
التالي
ديفيد بيكهام.. أجمل رجال العالم