في الحوار وافتراضاته

من الصعب افتراض حصول خرق إيجابي في قضية انتخاب رئيس للجمهورية في الفترة القصيرة الآتية، لكن من الأصعب منطقياً افتراض ديمومة الحال على ما هو عليه وبقاء كرسي الرئاسة الأولى رهين المحبسين: «حزب الله» وحساباته من جهة والنائب ميشال عون وأحلامه من جهة ثانية.

ولئن كانت إشارات مبدئية انطلقت من جهة الحزب ودفعت الافتراضات الحوارية الى الواجهة تبعاً لمعطيات محلية وإقليمية عنده، فإن أحداً غير قادر بعد على توقّع انعكاس ملموس وتطبيقي سريع للمناخ المستجد، باعتبار أن عون غريب عن هذه الدار، وهو رمى في ما رمى، ثقلاً إضافياً على حليفه عندما قرّر أن يلتفّ على انفتاحه الحواري مع «المستقبل»، بإعلانه رفع مستوى التفاهم معه الى مصاف «التكامل الوجودي».. ودفعة واحدة.

وذلك الإعلان بالمناسبة، كان يمكن أن يكون معاكساً. أي كان يمكن عون أن يعلن بعد التمديد للمجلس النيابي، أن مسيرته مع «حزب الله» وصلت الى خواتيمها، خصوصاً إذا قرأ جيداً وبطريقة صحيحة طبيعة المناخ الجديد، وبعد تيقّنه أن رهانه على حصان واحد لجرّ عربة الوصول إلى الرئاسة، كان غير منطقي ويجانب الصواب بالتمام والكمال.

.. لكنه ميشال عون! وقد حَسَب الموضوع على طريقته القتالية المعهودة التي تخلط الواقع بالوهم وتنصر الثاني.. وفي ضوء ذلك، قرر حصر خياراته بين اثنين متطرّفين: فضّ التحالف أو التماهي الوجودي! في حين أن الخيار الثالث موجود أمامه ولا يراه، وهو الذي يجعل منه ناخباً كبيراً، بل ربما صاحب الفضل الأول في إنماء الفراغ اللاحق بالموقع المسيحي الأول بل الوحيد من نوعه، على حد تعبير الرئيس سعد الحريري، في كل المنطقة الممتدة من الهند الى البحر المتوسط.

ومع ذلك، فالأرجح أن لا تنفع قصة «التكامل الوجودي» أكثر مما نجحت قصة «تفاهم مار مخايل» في موضوع الجموح الرئاسي. لأن الواقع اللبناني أكبر من الإرادات الخاصة. ولأن «حزب الله» في «المرحلة الحرجة» التي يمر فيها لبنان والمنطقة، مضطر مهما عاند، إلى رؤية الدنيا كما هي. ومضطر للاختيار بين تسوية معقولة وواردة أو دوام مناخ التوتير المذهبي واحتمالاته المفتوحة على الأسوأ.. ثم إنه مضطر إلى مواكبة المسار الإيراني ودبيب خطواته التفاوضية مع الأميركيين والغربيين في شأن الموضوع النووي ومتفرعاته ومعانيه ومتطلباته.. وفي ذلك، بالنسبة الى طهران، معضلة إحراجية كبيرة لا تستطيع التغاضي عنها طويلاً: لا تستطيع أن تبرر إعادة بناء جسور التواصل والتلاقح الايجابي مع الغرب، فيما تستمر بنسف ما بقي من جسور الجوار والدين مع المحيط العربي!

.. في كل الحالات، البعض عندنا يعتقد، أن اللبنانيين في العادة يتفاهمون مسبقاً على «نتيجة» الحوار قبل المباشرة بطقوسه الشكلية والإخراجية. ولا شيء يدعو الى افتراض العكس الآن، حتى لو كان ذلك الشيء على شاكلة «التكامل الوجودي» العتيد! واستمر «حزب الله» في قول الشيء ونقيضه والمكابرة على الحقائق!

http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=640054

السابق
كلّ السبل تقود إلى استبعاد الأسد
التالي
«يوميات شهرزاد» يحصد جائزة «آفاق السينما العربية»