لهذا رمى الجنرال «طربوش الميثاقية».. ومشى

كلير شكر

توهّم «أبو مصطفى» كثيرًا عندما اعتقد أنّ «الريق الحلو» الذي منحه إياه ميشال عون حين زاره في عين التينة، في واحدة من «الطلعات» النادرة التي يقوم بها الرجل.. سيتحول إلى «طربوش» مجاني يضعه «التكتل العوني» فوق «كعكة» التمديد الفاسدة.
هو سوء فهم للإشارات المتبادلة بين رئيس المجلس وضيفه، مع أن الأخير لمّح إلى الإيجابية، لكن أفضى إلى أن يمارس نبيه بري كل شطارته كي يعيد «القوات» بدلاً من «التيار الوطني الحر» إلى بيت الطاعة التمديدي. يعرف الرجل كما غيره، أنّه لا يمكن إحراق ورقة الميثاقية مهما تدلل الآخرون، ما دامت اللعبة قائمة على أساس «يوم لك ويوم عليك». لذا لا بدّ منها «حيّة أو ميتة».
في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة التي سبقت مراسم «دفن الانتخابات»، ترك الجنرال الباب مفتوحاً. سبق لأكثر من نائب برتقالي أنّ قال صراحة إنّ التمديد فضيحة شنيعة لن يشاركوا في غسل عارها. ومع ذلك، لم يقفلوا كل المنافذ.
عملياً، كان ينتظر الرجل من يقرع بابه ليسأل خاطره عن «ثمن» ما قد يتعين تسديده في حال قرر تليين موقفه، حضوراً وليس تصويتاً. عن اتفاق مثلاً حول قانون للانتخابات يصلح ما أفسده عطّارو «الأكثريات الوهمية». عن تمديد تقني قد يسير به إذا انتهى به المطاف في صناديق الاقتراع.. عن كوة صغيرة قد تفتح في جدار الرئاسة الحديدي. لكن ما من أحد فعلها. كان المطلوب ورقة توت بأبخس الأسعار.
هكذا «طبش» ميشال عون الباب وجلس على كرسي «الممانعة» غير عابئ بما ستفرضه معادلة التمديد من حسابات جديدة، محتفظاً لنفسه بورقة انتصاره أمام الرأي العام المسيحي لاستخدامها أمام خصومه الذين يرتكبون في كل مرة «معصية» تُهدى إليه على طبق من الفضة.
هكذا أيضاً سدّ أذنيه على أصوات «أبنائه» المتحمسين للنزول إلى ساحة النجمة وملاقاة «رفاقهم التمديديين». الياس أبو صعب وسليم جريصاتي، وحتى عباس هاشم كانوا من دعاة الصعود إلى مركب الأكثرية التي أحنت رؤوسها أمام «قانون فتوش»، كل لاعتبارات تعنيه، بينما البقية «العونية» من «التكتل» وقفت خلف جنرالها في موقفه الرافض.
حتى «الكتائب» لم ينجح، برأي العونيين، بمجاراتهم في خيار السباحة عكس الأغلبية لأن حججه لم تكن مقنعة بعدما ساير التمديد في نسخته الأولى، فخرج لا مع «ستي» ـ أي حلفائه ـ بخير، ولا مع «سيدي» ـ أي جمهوره ـ بخير.
بينما استلحقت «القوات» نفسها لتستعيد حلفها مع «تيار المستقبل» الذي كان على شفير التعرّض لطعنة قاسية، قد لا يشفى منها بسهولة. لكنها ستبقى طبعاً في مرمى التصويب العوني، الذي سيستخدم كل مصطلحات «التنكيل» و«التحطيم» و«التمثيل» بشعار «المبدئية» الذي رفعه سمير جعجع.. حتى تبحّ حناجر النواب البرتقاليين.
أما بالنسبة لميشال عون، فكانت حسبتها مختلفة. الوقوف بوجه التمديد هو مربح جماهيرياً. لكن السعي لفرض الانتخابات هو الانتصار الحقيقي الذي كان يريده الجنرال بأي ثمن. بنظر الرجل، اللعبة من حوله مقفلة، والاستحقاق الرئاسي مجمد، والتوازنات محكومة بالرعب. إنها الأكثرية النيابية القائمة التي تكبله. لا بدّ إذاً من «حدفة» ما قد تغيّر المعادلة.
وحدها الانتخابات النيابية قد تنتج واقعاً جديداً: إما تعيد ميشال عون قطباً مسيحياً، وإما تكرسه زعيماً من دون منازع.. وإما تخرجه من الحلبة بالضربة القاضية.
وفي مطلق الأحوال، ستكون الانتخابات المخرج اللائق لسعد الحريري ليهرب من إحراج حلفائه أولاً، ومن طوق الفيتو السعودي ثانياً، إذا ما تمكن الجنرال من أن يعود على متن تسونامي برتقالي، فتعبد الطريق أمامه إلى الكرسي المخملي.
هكذا انطلق الرجل من فرضية أنّه مسمّر في مكانه، وبالتالي فإنّ الهروب نحو رفض التمديد لن يكلفه شيئاً ما لم يربح حتى اللحظة أي خطوة إضافية في المسار الرئاسي، ولا حتى من علاقته مع رئيس «التيار الأزرق»، الذي أبدى مرونة واستعداداً.. ثم عاد واستسلم للوبي الممانع لوصول عون إلى قصر بعبدا.
ولهذا لم يخض الجنرال هذه المعركة بقصد التحديّ أو المخاطرة بالعلاقة «الملتبسة» مع الحريري، ولا بقصد تعريض «تفاهم مار مخايل» لأي خضة، ولا حتى بنيّة زعزعة «قشة» التواصل بين عين التينة والرابية.
ومع أنّ الجناح المتشدد في»المستقبل» والرافض لتبني ترشيح عون، سسيستخدم ورقة التمديد لرفعها بوجوه المتحمسين للجنرال، والتذكير بأن التعويل على ليونة الرجل هو ضرب من ضروب الخيال، ولهذا هناك من يعتقد أنّ قنوات الاتصال بين الرابية وبيت الوسط قد تتعطل في المدى المنظور.
في موازاة ذلك، يعرف رئيس «التيار البرتقالي» أنّ ما يجمعه بالرئيس بري أقل مما يفرقهما. ولهذا لم تترتب يوماً العلاقة بينهما رغم المحاولات المتكررة. حتى أن رئيس المجلس صار يتعامل بواقعية مع حليف الحليف، على القطعة. وبالتالي المسألة «مش واقفة» على التمديد، الذي انتهى إلى «شطب» الاقتراح الأرثوذكسي من التداول التشريعي، في ردّ مباشر من «أبي مصطفى» على تصعيد العونيين.
أما مع «حزب الله»، فيدرك البرتقاليون أنّ وثيقة التفاهم أقوى من أن تهزها نسمة التمديد التي كانت متوقعة بينهما، مع أنّ الضاحية الجنوبية حاولت خلال الساعات الأخيرة إقناع حليفها البرتقالي بملاقاتها في ساحة النجمة، لكن هذا لا يعني أبداً أنّ بقعة زيت التمايز قد تتمدد بينهما.
يتباهى العونيون في ما بينهم بأنّ لجنرالهم هامش الدلال والغنج لدى «حزب الله»، بينما تجربة الأخير العتيقة مع خصومه الآذاريين «خطيئة» لا تُغتفر، لن يرتكبها من جديد.
أما مع سليمان فرنجية، فقد صار التمايز سمة أساسية من سمات العلاقة. ولهذا فإنّ مشهد يوم الأربعاء والذي سبق حصوله في الجولة الأولى من التمديد، سيكون مجرد إضافة إلى سجل الخصوصيات التي يختبئ خلفها الفريقان ليبررا انحرافهما عن الطريق المشترك… بانتظار أن تخلط متغيرات المنطقة أوراق الاصطفافات الداخلية.

السابق
ما الذي دفع نصرالله إلى إطلاق دعوته الحوارية؟
التالي
تحالف الأقلّيّات وانبعاث الخلافة