قلعة شعبان في خربة سلم وسياحة القلاع في الجنوب

تشدك تلك الأصوات المنبعثة من خلف ألات الحدادة والنجارين والتّبييض، تخال نفسك في سوق الحرفيين لولا كلمة يوسف شعبان هذا “متحف الحرفيين”، تتبدد كل العولمة في المكان، فجأة ودون سابق إنذار تخلع رداء التطور، لتجول في عالم بسيط محفوف بالتعب والعطاء والإرادة، عالم تتعرف عليه في “قلعة شعبان” في بلدة خربة سلم الجنوبية،  التي دخلت حديثاً ميدان القلاع الجنوبية المتوقع لها، أن تنافس القلاع المتبعثرة في المكان، بحيث تحيطها قلعة الشقيف ودير كيفا والعلمانية وتبنين. بيد أنها الوحيدة التي تمتاز باناقة عمرانها وهندستها بالنظر الى دخول باقي القلاع بإستنثاء الشقيف في نفق الإهمال.

على تلة مرابضة في خربة سلم ومساحة واسعة من جنوب لبنان تقع قلعة “شعبان” الذي بناها يوسف شعبان بنفسه، صمم هندستها وزخرفتها وحتى أبراجها التسعة، حتى طبق عليه المثل “عفريت العصر” إذ يصعب على المرء في زمن بات محفوفاً بالكثير من الازمات والهزات الإقتصادية أن يبني قلعة لا مثيل لها، تأخذك الى زمن إنتعاش الحضارات الفينقية والرومانية والعثمانية ولكن بنسخة جنوبية وتصميم جنوبي أيضًا.

كيف أمكن ليوسف شعبان أن يبني قلعته التي ضمنّها حِرف أجداده؟ وأكثر ما سر عبقريته التي منحته شهادة النحت والهندسة دون دراسة؟ وحدها كلمته “الفن حرية نحو التألق” تبشر أن ما أنجزه شعبان في 21 عاما مازال في بدايته.

مدخلين عملاقين يمثل الأول أمه وأبيه والثاني هو وأخته يأخذانك الى داخل القلعة المؤلفة من تسعة أبراج عدد أخواته وخمس طبقات.

قعدة عربية

“يلا تصبو هالقهوة وزيدوها هيل “يعلو من داخل غرفة الجلسة العربية رجل بزيه اللبناني وبقربه تجلس فتاة تصب القهوة “جلسة السمر القديمة هكذا كانت لا واتس أب ولا فايسبوك فقط حكاية وخبريات وشعر، كانت ترافق الجلسة” يعلق شعبان الذي يشير الى حرف المتحف المنتشرة في الطبقة الأولى من القلعة.

يضم المتحف 35 حرفة إندثرت من  خبز الصاج والتنور، إلى تحميص البن والجاروشة، الحداد العربي، النجار، الكندرجي، المصور القديم، المُجلي “الذي يجلي الحديد والسكاكين” الفاخوري “صانع الفخار”، بائع الكاز المصوراتي  وكل المهن القديمة”.

تعبر من زمن الى آخر، داخل احدث قلعة في جنوب لبنان، والاغرب في الوقت عينه بالنظر الى ارتكازها على اخراج حضارة غابرة من تابوت الاندثار.  بين الحرف العتيقة التي تفترش الطابق الثاني من القلعة وفذلكة تصميمها، يعتبر شعبان ان “هذا فن ارتجالي قائم على مجموعة لوحات جرى رسمها بهندسة متقنة مع اضافة صبغة جنوبية”  حسب شعبان، الذي ينهمك في انجاز حلمه، الذي شارف على نهايته وسيكتمل مع المتحف الوطني الشعبي والذي سيضم شخصيات ادبية كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وعلمية كالعالم حسن كامل الصباح، وفنية كشوشو ووديع الصافي، وسياسية كالرئيس رفيق الحريري. وغيرها من الشخصيات التي نحنتها شعبان بدقة عالية، رغم انه لا يعرف من اصول النحت وفروعه شيئاً ومع ذلك ابدع .لأنه يعتبر “الفن عشق يولد مع الإنسان ويلغي الصعاب مهما كانت لأن من أراد صعود الإبداع عليه أن يلغي المستحيل”. في كل زاوية من القلعة، حكاية عند ابو موسى الخمسيني، الذي يفتخر بانجاز استغرق اعواما بدات بصيف 1993،  بشغف يتحدث عن الحرف “صحيح انها اصبحت من الماضي ولكنها اساسية في حياتنا كانت، يكفي ان تتعرف على البساطة لتعرف قيمة العطاء وهذا ما اهدف اليه من هذا الجناح، حين ترى الخياطة تغزل الخيطان او المبيِّض الذي كان يجول في القرى لتبيض الطناجر النحاسية. وحتى الكندرجي وغزل الخيطان وبائع الكاز، تدرك سريعاً ان التطور صحيح نقلنا من عالم الى اخر، وجعل حياتنا قرية كونية ولكن حياة الماضي تملك من الحنين والعطاء ما نفتقده اليوم” .

 مزارٌ فريد

ميزة قلعة شعبان لا تتمثل بمحتوياتها الحرفية، ولا النحتية ولا حتي بتصميمها الخارق، بل بكون شعبان بناها بسواعده ووضع تصميمها على “ورق كيس الترابة” هندسها بحرفية عالية فانتج مزارا فريدا والاهم صنع لنفسه هوية “شيطان الهندسة وعفريتها”.

درج مكوكوي ترافقه حجارة قديمة العهد، تحملك الئ الطابق العلوي  حيث سيكون نزلاً للزائر الذي يرغب في قضاء وقت مع ثقافة الحرف والتاريخ. وقد صمم الجناح بشكل يتواءم مع هندسة القلعة التي تشرف على بحر مدينة صور في بعض منها وفي مقلب اخر تصافح فلسطين  ” جمعت الخشب والحجر في التصميم ليضفي جوا تراثيا انيقا ” يقول شعبان.

وفي الطابق الاخير تتعرف على ابراج القلعة. وكأنك في قلعة “فالتا” الفرنسية او قلعة “ديغول” . وفي الطبقة الاولى تتعرف على شخصيات المتحف، التي ستنقل اليه قريبا وبحسب شعبان “فإن 20 بالمئة من حلمه فقط تحقق وان ما يسعى لتحقيق اكبر بكثير. ولا يخفي إعجاب الزوار بانجازه حتى ان امير دولة عربية عرض عليه شراءها او بناء قلعة شبيهة في الامارات” ولكن تمسّك شعبان بوطنه وحلمه ان يصنع هوية سياحية جنوبية يجعلانه متعصبا لفن بات في المنظور الجنوبي ارث الحاضر في سياحة الماضي.

في الباحة الخارجية من القلعة، تنتشر منحوتات شعبان التي رسمها ونفذها بيديه: شخصيات عديدة عربية ولبنانية كلها تنتظر دخولها الى المتحف، الذي بات شبه جاهز كما يشير شعبان الذي يلفت الى الشلال الذي أنجزه في الباحة الخارجية ” إنه خريطة لبنان لأن قلعتي لكل لبنان ونحن نبث ثقافة سياحية جنوبية الى كل العالم”.

التراث وحده يتكلم داخل القلعة التي بناها يوسف شعبان بإرادة صلبة ، دون إستعانة بأحد، بل يعتبر أنه ما نفذه ” فن يحاكي الإبداع” من يراقب القلعة بتصميمها ومحتوياتها يتأكد له، أن ما نفذه شعبان خارج عن إطار المألوف باسطا ثقافة جديدة، بدأت تزحف بقوة على الجنوب اللبناني متكّئاً على ثلاث عناصر ثلاثية الأبعاد “التراث القديم، الخيال، الفن” عناصر اجتمعت معاً في قلعته الذي يعتبرها “منحوتة فنية تراثية حرفية لترسيخ عقيدة الجنوبي المبدع”

رنه جوني

السابق
القدس عاصمة العرب قاصمة الاحتلال
التالي
هذه كلفة التمديد