شرق صيدا وإقليم التفاح «أرض مقطوعة»

تنتظر زينب أكثر من ساعتين على طريق فرعية تكاد لا تتسع لمرور سيارتين في آن. طريق أهملتها البلديات وغابت عن خريطة الدولة، في بلدة كفرفيلا من بلدات إقليم التفاح وفي بلدة جباع، عين بوسوار، جرجوع، عين قانا وحومين الفوقا، مرورا ببلدات شرق صيدا المتاخمة من كفرملكي وكفرحتى والمجيدل. بلدات تنقطع عن صيدا والنبطية، المدينتين الرئيسيتين. أزمة مواصلات خاصة وانعدام المواصلات العامة، والفقير هو الضحية.
يقول كثيرون انهم اعتادوا على الوضع السائد، فمنذ القدم وهذه البلدات تعيش في عزلة شتائية يقطعها الطلاب والموظفون فقط. يغادرون صباحا، متدبرين أمور تنقلاتهم بطرائق مختلفة. أما أهالي البلدات، وخصوصا من لا يملكون سيارات خاصة، فيعرفون أن الخروج والتنقل من بلدة إلى أخرى أشبه بالأمر المستحيل، يقول حسن أبو احمد، رجل تجاوز السبعين من عمره: «إن زيارة الطبيب هي ما يستدعي الخروج من بلدته كفرحتى، يتصل بشوفير تاكسي فيقله إلى احد المستشفيات في مدينة صيدا»، مؤكدا أن «التكلفة تكون مرتفعة لأنه ينتظرني ويرجعني إلى المنزل، ولا يوجد أمامي خيارات أخرى».
يبقى الوصول لمدينة صيدا أيسر بكثير من الوصول إلى مدينة النبطية، وخصوصا أن خط السيارات العمومية يبدأ من بلدة جباع نزولا حتى كل بلدات شرق صيدا، وبعدها تأتي بلدة جرجوع لتنقل الركاب إلى مدينة النبطية. ولكن العذاب يتضاعف مع هذين الخطين خصوصا لطلاب الجامعات، فالذي يعيش في بلدة جرجوع ويريد الوصول إلى مدينة صيدا عذابه مضاعف، لأنه يقصد مدينة النبطية ومن ثم إلى صيدا.
ومن يسكن في بلدات شرق صيدا ويدرس في جامعات النبطية، يقصد صيدا ومنها إلى النبطية. وهكذا يكون التعب تعبين، والأجر أجرين، وهدر الوقت مضاعفاً.
علي من بلدة كفرملكي يدرس الاقتصاد في كلية إدراة الأعمال في النبطية، يقول: «كنت أقضي وقتي على الطرق، أحيانا كثيرة لا أذهب الى جامعتي لشدة المشقة التي تعترضني، حاليا قمنا مع مجموعة من الطلاب بالاتفاق مع صاحب فان عمومي لينقلنا من السادسة والنصف صباحا ونعود عند الرابعة عصرا كبرنامج يومي. أحيانا يكون عندي محاضرة واحدة لمدة ساعتين أبقى كل الوقت الباقي اتسكع في الجامعة لا عمل لي أقوم به».
تبقى حال طلاب المدارس أسهل بكثير من حال طلاب الجامعات، لكن المعاناة أيضا موجودة، فالخيارات المتاحة أمام ذويهم محدودة. وكل مدرسة تعتمد باصاً واحداً لكل بلدة، وصاحب الفان يحدد السعر الذي يريد. وبالتالي فبدلات النقل مرتفعة جداً. تقول أم أسعد: «كنت أريد تسجل ابنتي في ثانوية عربصاليم الرسمية. ما عندي قدرة مالية على الثانوية الخاصة، خصوصا أن لا ثانويات تعتمد المنهاج الإنكليزي في المنطقة. وصلت بالتفاوض مع صاحب الفان إلى مبلغ مئتي الف ليرة، بدل نقل شهري من كفرملكي حتى عربصاليم وابنتي هي الوحيدة في الأوتوكار».
تلك حال الطلاب أما بالنسبة للعمال وخصوصاً المبتدئين منهم، فإن معاناتهم كبيرة، تقف رنا عند دوار بلدتها وهو المكان المعروف لأهالي البلدة ليتجمعوا به بانتظار مرور سيارة أجرة، تقطع مسافة طويلة من بيتها حتى هذه النقطة تقف تحت مظلة حديدية أنشأتها البلدية، تتقي زخات المطر، وتنتظر بدء دوام عملها في أحد المحال في مدينة صيدا. خسم من راتبها وهي ما زالت تنتظر، تتوقف سيارة ابن حلال بالقرب منها، تصعد، وتدعو في قلبها: انشالله انو يكون «ابن حلال».
تنتظر بهية مطلع الأسبوع حتى تجهز حاجاتها من خضار وفواكه ولحوم. تقصد مدينة صيدا لأنها أوفر من الشراء من داخل بلدتها تقول: «ما حدا بيشتري من الضيعة إلا المقطوع. القطعة سعرها مضاعف، أنزل إلى البلد عصيدا بس المشكلة عدم وجود سيارات الأجرة، الله بيتحنن علي وبلاقي حدا من الجيران نازل بنزل معه».
يتفق كثيرون من الأهالي وخصوصا النساء على الخروج معا، وبدلا من انتظار سيارة أجرة لساعات تقلهن احدى الصديقات «والبنزين عليهن». هذا الحل تعتمده كثيرات في بداية موسم الشتاء او المدارس لشراء القرطاسية او الثياب، فالأزواج غارقون في العمل اليومي، الزراعي أو الصناعي، وأغلب الأسر لا تملك سيارة خاصة لضيق الوضع المادي.
هذا الواقع الذي يشكل أزمة كبيرة لكثيرين يطرح العديد من علامات التساؤل حول عمل العديد من مالكي سيارات الأجرة وهم من أهالي تلك البلدات، يعملون داخل مدينة صيدا وفي أزقتها المزدحمة أو في مدينة بيروت ولا يعملون داخل بلداتهم. يجيبنا «السيد» صاحب سيارة أجرة «بأن المسافات بين البلدات طويلة جدا، ما بتوفي معنا بنزين، لهيك ما في كتير سيارات أجرة بالمنطقة». كذلك يقول حسين خضر صاحب سيارة أجرة يعمل داخل مدينة صيدا وينزل من بلدته صباحا ليعود ظهرا «لأن الكثافة السكانية في صيدا كبيرة أما بين البلدات فالتكلفة تزيد على الأجر الذي نتقاضاه». ذلك يبنما تبقى بعض السيارات داخل المنطقة يقودها كبار السن من الشوفيرية، الذين لا يقوون على تحمل أزدحام السير في المدن وضجيج أصواتها وخنقة هوائها.

السابق
تحدّيات زعامة الحريري: المواءمة بين الاعتدال وإخراج الشارع من الكبت والإقصاء
التالي
رومينيغيه: كأس العالم 2022 في نيسان