تركيا والأمن الإيراني

 

يقارن الأكراد معركة كوباني بمعركة ستالينغراد، في وقت بادرت تركيا الى خطوة غير أخلاقية، وأغلقت الحدود أمام الأكراد الذين يدافعون عن مدينتهم. فاندلعت مواجهات شعبية في شرق تركيا وجنوبها في الايام الاخيرة فضحت «لعب» الحكومة التركية في الساحة الكردية. لذلك اتهمت احزاب بارزة تركية مثل حزب الشعب الجمهوري، أنقرة بدعم «داعش».

ودخلت السياسة التركية مرحلة جديدة حين ساهمت منذ اندلاع الأزمة السورية في دعم المعارضة السورية. ومستقبل المناطق الكردية في العراق وسورية وثيق الصلة بالمصالح الامنية الداخلية التي تهدد وحدة الأراضي التركية. ولم تخفَ اهداف أنقرةغير المعلنة إزاء الأكراد في العراق وسورية. ووقع الاكراد العراقيون في الفخ التركي الرامي الی تعزيز النفوذ في الجغرافيا الاقتصادية والامنية والقومية عبر تقويض الدور الكردي في العراق وسورية. والى وقت قريب، كان الأكراد العراقيون قوة اقتصادية وسياسية جديدة فرضت نفسها علی المنطقة، وصارت تركيا شريكتهم الاقتصادية الأبرز، على رغم أنها عدوهم الاستراتيجي اللدود. ونظرت أنقرة الى اقليم كردستان العراق نظرة اقتصادية، واعتبرت انه سوق واعدة وواحد من مصادر الطاقة التي تحتاجها. وابتعدت كردستان عن مفاهيمها الثورية التقليدية وانزلقت الى الاستهلاك البرجوازي الذي كان وراء اخفاق البيشمركة الاكراد في مواجهة «داعش».

أدت القضية الكردية دوراً مهماً في السياسة الخارجية التركية منذ سقوط السلطنة العثمانية الى اليوم. وسعت هذه السياسة الی عزل الأثر المتبادل بين أكراد العراق وسورية من جهة، وبين اكراد تركيا من جهة اخری. وحاولت إبعاد الارتدادات الامنية عن المناطق التي يقطنها الأكراد. وأيدت أنقرة المعارضة السورية، بعد أن نجحت في طي الخلاف مع دمشق على بعض المناطق المتازع عليها، ووقف نشاط حزب العمال الكردستاني في الاراضي السورية. وتدخلت في اقليم كردستان العراق لتجفيف مصادر تمويل «الكردستاني» الكردي التركي، وسدت الطرق التي يسعه سلوكها لبلوغ الاراضي السورية ودعم اكراد سورية. بالتالي، معاداة الاكراد هي ركن السياسة الامنية التركية. وانتهجت حكومة أنفرة إزاء «الكردستاني» سياسة تتوافق مع سياستها ازاء اكراد العراق وسورية. ولا يخفى على انقرة أن النظام السوري، إذا قيض له البقاء، سيحتضن الأكراد الأتراك علی اراضيه، والاحتضان هذا هو مصدر تهديد أمني للمصالح التركية، وهذه قضية بالغة الأهمية. ويتحدر معظم اعضاء «الكردستاني» التركي من سورية، ولوقت طويل، كانوا ناشطين في اوساط الاكراد السوريين في عهد الرئيس حافظ الاسد. ولا يخفى على تركيا أثر التوجه الراديكالي «الكردستاني» التركي في صفوف الأكراد السوريين. ومن التحديات التي تواجه الحكومة التركية ازدياد اعداد المهاجرين من الاكراد السوريين. ولاحظت السلطات ميل المهاجرين هؤلاء الى «الكردستاني»، ما يهدد سكان المناطق الكردية في تركيا. لذا، تنظم السلطات التركية دوريات حدودية للحؤول دون دخول مزيد من الاكراد السوريين الی أراضيها.

الآن تدور سياسة تركيا في مناطق الاشتباك علی: الانتقام من سورية بسبب دعمها «الكردستاني» التركي ومطالبتها بإقليم الاسكندرون، والوصول الی مصادر الطاقة عبر التعاون مع عناصر «داعش»، وتفكيك خلايا «الكردستاني» وفرعه في سورية حزب الاتحاد الديموقراطي الذي شاركت بعض عناصره في الحرب على السلطات التركية، وإضعاف الحكومة الشيعية في العراق. وعناصر السياسة هذه تخالف ما تنادي به تركيا من سلام مع الكرد، وسعي الى ارساء الامن والاستقرار في المنطقة. وتسعى حكومة أنقرة الی استغلال ظروف المنطقة، وتستند الى استراتيجية رئيس الوزراء احمد داود اوغلو، الرامية الى السيطرة علی الاسواق الاقتصادية والسياسية في الدول المحيطة بتركيا، واختراق الحركات العلمانية والسلفية في الجوار الايراني. وحري بنا ألا نغفل ان تركيا اليوم هي العنصر الأمني الذي يهدد المصالح الايرانية في المجالات الجغرافية والقومية والاقتصادية. وهي تؤدي دوراً غير اخلاقي: احتضان القوی الامبريالية الغربية في المنطقة.

 

السابق
ريفي: لا يجوز أن يحاكم مدني أمام المحكمة العسكرية
التالي
لماذا تحبّ المرأة تلقّي الورود؟