«منح بك» والنكهة المميزة لبيروت!

لا يختلف اثنان في العالم العربي، وفي لبنان بالتأكيد على “ترجمة” معاني منح الصلح. فعندما يذكر هذا الاسم الكبير تتبادر الى الاذهان على الفور مجموعة عناوين مضيئة: الثقافة، العقل، السياسة النظيفة التي تعني السعي الى التطور، الاعتدال، نبذ العنف، الاحتكام الى لغة الحوار والمنطق، الانكفاء عن المشاركة في حفلات الجنون والحرب على الوطن، الوطنية الحقة، اللاطائفية، اللامذهبية، اللافئوية.

لا حاجة الى معرفة شخصية للوصول الى تلك العناوين، فقد جاءت نتيجة تراكمات بدأت منذ اكثر من سبعة عقود، وعبرت عنها مواقف وكتابات لعل الأكثر وضوحاً منها كان ذاك الذي نشر دون توقيع… كيف لا وقد بات الاسلوب مرتبطأً بالشخص، ولا تحتاج الى معرفة اسمه الى عناء البحث؟
وعندما يذكر اسم منح الصلح يخطر في البال المزيد من العناوين: “دار الندوة” و”الجبهة الموحدة لرأس بيروت” وكل ما يعرف بـ”هيئات المجتمع المدني” وكل لقاء ذي طابع وطني. وقبل تلك العناوين كانت الجامعة الأميركية ورأس بيروت وشارع بلس ولقاءات “مطعم فيصل” وحركات التحرر والنهضة والقوميين العرب، ولاحقاً لقاءات ساهم في تأسيسها واطلاقها، ومنها: “اللقاء الوطني اللبناني الوحدوي”، “المنتدى القومي العربي”، “المؤتمر القومي العربي” و”المؤتمر القومي – الاسلامي”، وقد بات احد ابرز رموزها، ومعها جميعاً بات واحدا من المعالم المشرقة للعاصمة بيروت، ومنها انطلقت صورته بكل معانيها الى كل الوطن، واحياناً تجاوزت الحدود الى كل ما تيسّر من منتديات للديموقراطية والحرية في العالم العربي… وفي كل تلك العناوين كانت فلسطين دائماً في الصدارة من خلال مطلب إنساني كبير محوره حق الإنسان الفلسطيني في أرضه ورفض العدوان الاسرائيلي المستمر والاحتلال والقتل، ودولة ديموقراطية يعيش فيها الجميع بسلام!
وما بين الكتابة والعناوين الوطنية والقومية الكبيرة، بقيت الخصوصية اللبنانية لمنح الصلح: قطعاً هو لا يغيب عن الأذهان، عند كل حديث عن الاستقلال والسيادة والميثاق الوطني، أو عند ذكر أحد كبار رجال الاستقلال رياض الصلح أو أحد حكماء السياسة في لبنان تقي الدين الصلح وكل ناشطي الدوحة الصلحية وآخر من غاب منها قبل أشهر رشيد الصلح وقبله عماد وكاظم، وكل منهم تعاطى الشأن العام و”خدم” على طريقته.
بغياب “منح بك” تفقد بيروت إحدى نكهاتها المميزة، بل أحد معالمها التي شكلت ما سمي الزمن الجميل الذي، ويا للأسف، لم يطل، بل بقي مشروعاً يُستهدف كلما حاول البحث عن الاستمرارية والاستقرار…
رحل “شاب الشيوخ” كما سمى نفسه ذات يوم، رافضاً تسمية أطلقها عليه أحدهم “شيخ الشباب”… وفي الحالتين بقي “شيخ العازبين”، ومضى كذلك!

http://newspaper.annahar.com/article/179468

السابق
البحرين: المعارضة قرّرت مقاطعة الانتخابات
التالي
أحمد الأسعد وطريقته في اجتذاب المناصرين