تحقيقات مالية داخل حزب الله: رؤوس أمنية وسياسية (2/3)

المال
هنا حلقة ثانية عن تشكيل حزب الله لجنة تحقيقات داخلية تسأل محازبيه الذين نبتت لهم ثروات مفاجئة عُرِفَت أحيانا بـ«ظاهرة الـENVOY»، نسبة إلى السيّارات الرباعة الدفع الباهظة الثمن والكلفة التشغيلية، التي انتشرت بين المحازبين إثر حرب تموز 2006. وفي هذه الحلقة معلومات عن سير التحقيقات وماذا كشفت.

بدأت التحقيقات الداخلية في “حزب الله” لسؤال المتفرّغين: “من أين لكم هذا؟” بعد فضيحة صلاح عزّ الدين في العام 2009، وبعدما كثرت الحكايات عن اختلاسات وثروات جمعها مسؤولون في “حزب الله” من دون مصدر واضح للمال. وبعد فضيحة صلاح عزّ الدين والمليار ونصف المليار دولار التي جمع معظمها من قيادات في حزب الله، الذين تفاجأ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، شخصيا، بحجم ثرواتهم، واستدعاهم شخصياً ليسألهم. أيضاً بعد سرقة الأراضي في الجنوب المحرّر، أثناء عمليات مسح الأراضي في الأعوام الأخيرة، وبعد فضيحة “الكبتاغون” التي أطاحت أقرباء وزراء وقياديين بارزين في “حزب الله”.

هكذا شكّل “حزب الله” لجنة تحقيقات تسأل محازبيه “المريّشين”: من أين لكم هذا؟ مثلا تُجمع معلومات عن مسؤول منطقة في “حزب الله”، راتبه لا يتجاوز الألف دولار، لكنّه بات يملك شقّة في بئر حسن، حيث لا يقلّ سعر متر العمار عن 3000 دولار. وزوجته تملك سيّارة رباعية الدفع، وكذلك هو، تصرف كلّ منها “تنكة بنزين كلّ 100 كيلومتر. وبالتالي تحتاج السيّارتان إلى نحو ألف دولار شهرياً بين البنزين والتصليحات الميكانيكية. ويتبيّن أنّ أولاده في مدرسة خاصّة تتطلّب بدلا ماليا لا يقلّ عن 500 دولار شهريا، هذا عدا عن نمط حياته العالي الرفاهية بين المأكل والملبس والمشرب.

يجمع المحقّقون المعطيات حول هذا المسؤول، ثم بعد بناء ملفّ متكامل عنه يُستدعى إلى التحقيق في أقبية سرّية تابعة لحزب الله، وضمن “القضاء” الداخلي، الذي يتألّف من جهاز أمني ومن جهاز قضاة شرعيين يتّخذون الأحكام إذا تمخّضت التحقيقات عن اتّهامات باتت مثبتة.

أثناء التحقيق يُسأل “الضيف” عن حساباته المالية ومدخوله. إذ كذب يُسارع المحقّقون إلى التأكيد على أنّهم جمعوا المعلومات الكافية، ويعرفون ماذا يأكل ومن أين يشتري ثيابه وكم تصرف سيّارته من البنزين في الشهر وكم هي أقساط أولاده في المدارس. ثم يقول له المحقّق على سبيل المثال: أنت تصرف 4 آلاف دولار شهريا، وتملك شقّة ثمنها 200 ألف دولار، فمن أين لك هذا؟

معظم الذين يصل التحقيق معهم إلى هذا الحدّ لا يعترفون فوراً بأسباب “ثرواتهم”، وإن كانت صغيرة. بعضهم تكون قد “تسرّبت” إليهم معلومات عن أنّهم سيخضعون للتحقيق، فيدبّرون أجوبة. ومن هذه الأجوبة: “شقيقي الأصغر يعمل في أفريقيا ويرسل إليّ 3 آلاف دولار شهريا”. وهنا ربّما ينتهي التحقيق، وإن كانت الإجابة غير شافية ولا مقنعة. لكنّ الرجل يبقى تحت المراقبة.

في تحقيقات أخرى مماثلة يُسأل “المتّهم”، فيجيب: “الشقّة قدّمها إليّ هديّة فلان الفلاني، المغترب، وذلك لقاء الحماية والاهتمام به حين يأتي إلى لبنان. فأستقبله في المطار وأحرص على ألا يضايقه أحد. وإذا وقع في مشكلة أحلّها له. فهو يعرف أنّ لبنان بلا قوانين، والأحزاب هي الحاكمة، ويستجير بي كمسؤول المنطقة التي يعيش فيها”. وهنا أيضاً لا يعترض المحقّقون على “الهدية”، لأنّ “النبي قبل الهديّة” ولا اختلاس فيها ولا سرقة. ويبقى “المتّهم” تحت المراقبة.

آخر قد يجيب: “المتعهّد الفلاني أهداني شقّتين، كي أحرص على ألا يتزعرن عليه أحد في مشاريع البناء الكثيرة التي يتعهّدها في ضاحية بيروت الجنوبية وفي الجنوب أو البقاع، وذلك مقابل 20 ألف دولار للشقة بدلا من 100، أي أنّه باعني الشقّة مقابل بدل رأسمالها، لئلا يخسر”. وهنا أيضاً لا يحقّ للمحقّقين التدخّل في هذا النوع من الهدايا. فيقول المسؤول إنّه سكن في شقّة وأجّر الأخرى، وبات مدخوله ألف دولار كراتب و500 دولار من تأجير الشقّة، وإذ صرف ألفي دولار شهرياً فإنّ ذلك لن يكون قابلا للإثبات بهذه الدقّة. فمن يعرف كم كيلو شمّام أو كم كيلو لحمة تأكل هذه العائلة شهرياً، وماذا تهدي في الأفراح وكيف تتصرّف في الأطراح. وهنا يصل المحقّقون إلى حائط مسدود.

لكنّ القيادة اكتشفت ما هو أبعد من الهدايا.

السابق
والد الجندي محمد يوسف تلقى اتصالاً من داعش: 3 ايام او ستخسرون اولادكم
التالي
«إنّها تعشقه» و«الناس الطيّبون» في الصالات اللّبنانية