أيّها المستضعفون: من أين لكم هذا؟

تعقيبا على الحلقة الأولى من المقال "تحقيقات مالية داخل حزب الله: من أين لكم هذا؟" الّذي نشر في موقع جنوبية بتاريخ اليوم 8 تشرين الأول 2014 والّذي لاقى رواجاً واسعاً وتداولته المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وردتنا هذه الرسالة من أحد الأشخاص الذين نعرفهم لكنه شاء عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة، ونورد هنا رسالته.

بعد أن حطّت الحرب أوزارها في العام 2006، وفي خضمّ انشغال الناس بلملمة الجراح وترميم المساكن وإعادة الخدمات إلى حالها، كان هناك مَن يقتنص الفرص ويكدّس الأموال، لتطفو على السطح بعد حين علامات الإستفهام ولتبرز إرهاصات الفوارق الإجتماعية في بنية الحزب الحديدي. ومتى دخلت المنافع الذاتية والأموال في العمل الحزبي فعلى المبادئ السلام.

استفاد الحزب من تجربته في الحرب القاسية، وقرر إنشاء البقع العسكرية التي هي بمثابة وحدات منفصلة تضم الواحدة منها قريتين أو ثلاث تتمتّع باستقلال عسكري وذخائري وتمويني، مما يسمح لشباب المقاومة بالصمود والمناورة لفترات طويلة في أي حرب مقبلة دون الحاجة لنقل العتاد والمؤون من قرية إلى أخرى.

ومع هذا القرار أصبحت الحاجة ملحّة للكثير من المستودعات والمخازن والشقق على امتداد قرى الجنوب اللبناني وربما في البقاع أيضا. ومع الفوضى التي كانت سائدة بعد الحرب من خلال رخص البناء العشوائية التي منحتها البلديات، استغلّ المتنفّذون في الحزب الظروف وبدأوا بالبناء خبط عشواء، لينتهي المشهد على شكل عقود أبرمها المتنفّذون مع أنفسهم أو مع أقاربهم لتأجير ما بنوه لصالح الحزب.

وإن لم يكن المسؤول شريكا رئيسيا في البناء فله حصة من ترتيب صفقة الإيجار وإلّا فالصفقة لن ترى النور. وهنا برز إسم الشيخ (ف . ح ) مسؤول ملف العمل البلدي في الجنوب سابقا الذي عمل مع مجموعة من سماسمرة حصريين في مجال تأمين عقارات وأراضٍ للإيجار أو للبيع. واللطيف في الموضوع أن السماسمرة الحصريين التابعين للشيخ هم نفسهم مساعدوه في وظيفته الحزبية، وهم بالأساس أعضاء حزبيون عاديون غزتهم المدنيّة فجأة وألقت عليهم دثار النّعمة من خلال النسبة العلنية التي كانوا يتقاضونها بدون خجل لترتيب صفقة ما.

وانتقالا لمسؤول العمل الإجتماعي السابق في الجنوب، فقد افتتح المذكور مشتلا ضخما، وهو عبارة عن شتول ونصوب جاءت على شكل مساعدات من الدولة السورية لدعم المزارعين في الجنوب والبقاع. استولى الحاج (م . ع) على الكم الكبير منها مضافا إليها بضع جرارت زراعية والقليل من المعدات الثمينة. وعند استشعاره خطر المساءلة بعدما لاكته ألسنة المنافسين له، سارع للتخلّص من المشتل بما حوى وبأسعار بخسة.

أما الضربة الكبرى فكانت من نصيب أحد الذين ولّاهم الحزب صرف التعويضات في النبطية. فقد اشتكى أصحاب الفلل في أحد الأحياء الأكثر تضررا من عدم استلام تعويضاتهم المالية، فكان التلميح بأنهم من الطبقة الميسورة بل والغنية أيضا. وهكذا تبخّرت تعويضات الميسورين حيث يؤكّد بعض أصحاب الفلل هناك بأنّ التعويضات صُرفت لهم ولكن فلانا (ي . ت) ومَن وراءه استولى عليها.

ومقابل هذا أوحى المذكور (ي . ت) و (ك . س) لأقاربهم في قريتين محددّتين بافتعال حرائق محدودة وكسر زجاج في منازلهم ليصرفوا لهم تعويضات بلغت سقف العشرين ألف دولارا. علما بأن لا أضرار في بيوتهم سوى حاجتها للطلاء جراء حريق مفتعل.

وأما التموينات الغذائية التي اعتنى الحزب بها وأنشأ لها المخازن بغية صمود شبابه حال الحرب، نجدها تتسرّب من المستودعات إلى رفوف المحال والتعاونيات ومنها إلى جيوب أصحاب النفوذ، والحجة في ذلك قرب انتهاء الصلاحية.  ويستطيع المراقب ملاحظة وجود الحصص المعبأة يدويا بالأكياس من الشاي والأرز والطحين والسكر والحليب والحبوب والبقوليات، وهذه الأكياس لا تحمل تاريخ تعبئة أو صلاحية انتهاء أو ماركة إنتاج. والملفت رخص سعرها مقارنة بنظيراتها، كما ويلفتك وجودها في محال محددة دون غيرها وفي قرى معيّنة دون سوا!

نعم وفي إحدى الليالي جاء صديقه الحزبي قاصدا إيّاه باستدانة 200 دولار، كيف لا وهما ممن ترعرع في نفس المدرسة الحزبية منذ الثمانينات. اعتذر السيد من زائره لقصر ذات اليد… وما هي إلا أسابيع حتى اكترى السيد لنفسه  سيارة أم عيون ب 16000 دولار! عاود الزائر زيارته للسيد مستفسرا فأتاه الجواب إنها ( الشأنية ).

الشأنية إذا هي المخرج اللفظي لتبرير الطبقية الحادة المستجدّة بين أبناء الصف الواحد قديما.

ولكن لماذا يسكت الناس؟ أجابنا الزائر: خوفا وطمعا .

السابق
الناتو: لم نناقش اقامة منطقة عازلة في سوريا
التالي
صيدا هادئة وحصتها شهيد من غزوة بريتال