هاني فحص

منذ أسبوع، كان هاني فحص خصماً سياسياً لا يجري تناوله إلا كـ”خارجٍ” عن الطائفة الشيعية. لم يرغب كثيرون النظر إليه كمفكر ولا كعلامةٍ دينية. هو ساهم بذلك، عبر عدم السماح للهالة التي تحيط برجال الدين أن تُبعده عن الحياة اليوميّة للناس.

توفي يوم الخميس الماضي السيد هاني فحص. اجتمع في منزله في ضاحية بيروت الجنوبية الأضداد اللبنانيّون. سياسيّون وصحافيون وشخصيات مختلفون سياسياً وفكرياً. تحدّث كل واحد من هؤلاء عن قربه منه.

دُفن يوم الجمعة، ولُف نعشه بعلمَي لبنان وفلسطين. علمان يُشكلان هوية السيّد الذي ناضل في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية مثلما ناضل من أجل بناء دولة في لبنان. في البحرين، رفع معارضون لافتة تُحيي الراحل، ودعمه لانتفاضة البحرينيين. في سورية، شعر معارضون كُثر بأنهم تيتّموا، برحيل السيّد. وفي العراق، يتذكّر أبناء هذا البلد المبتلي بطبقة سياسيّة تكاد تكون أسوأ من حكّام لبنان، إسهاماته في النهضة الفكرية والأدبية في النجف في ستينات القرن الماضي. وفي لبنان، بكى كثيرون سيداً ناضل طويلاً لأجل دولة مدنية. شعر هؤلاء بحجم الكارثة برحيله في الظروف الحالية.

توفي هاني فحص. خرجت صحف كثيرة بملفات تتحدّث عن تاريخ الرجل وفكره ونضاله. من ضمن هذه الصحف تلك التي لم تكن تحتمل السيّد حين كان على قيد الحياة.

جاء موت السيّد فرصة لإعادة اكتشافه، بعد أن ساهمت قوى سياسيّة وإعلامية، باختزاله في شخصية سياسيّة آنية لا أكثر. في لبنان، وُضع في خانة قوى الرابع عشر من آذار، وهو لم يكن بعيداً عنها، لكنها لا تختزله. لم ير كثيرون نقده ونصائحه لحزب الله إلا من هذا الموقع. نسوا ما قاله لهم يوماً، من أنهم كانوا يُعادون الخميني في الوقت الذي كان صديقه. عربياً، وُضع في خانة “الشيعي” المعارض للسياسة الإيرانيّة، وهو لم يكن بعيداً عن هذا الموقع، لكنه لا يختزله ايضاً.

هاني فحص كان رجلاً بعناوين كثيرة. يجب أن يُشكّل رحيله فرصة لإعادة اكتشافه. فرصة لجيل شاب، يحتاج بشدة إلى مفكرين من طينة السيّد، مفكرين يرون أن الدين هدفه راحة الإنسان وعلو شأنه لا العكس. مفكرين، يرون أن مواطني الدول العربية يستحقون أنظمة حكم أرقى وأكثر ديمقراطية من السائد، وبالتالي وقف إلى جانب حراك هذه الشعوب.

أعاد السيد هاني اكتشاف الدين للكثيرين، وأبعد عنه صورة السيف المسلط على رقاب العباد بهدف الدخول إلى الجنة. بعبارة أبسط، ترجم عبارة “الدين يُسر وليس عُسراً”؛ وربما لو نشأ في ظروف أخرى، لكان قاد عمليّة إصلاح جذرية يحتاج إليها العالم الإسلامي.

حالة السيّد هاني، تشبه حالات كثيرة في مجتمعاتنا، التي تنتظر الموت لتعرف بقدرات أبنائها.

السابق
توقيف 6 أشخاص بإشكال اثناء اعادة فتح طريق المصنع
التالي
تفاصيل«المذبحة الكبرى» الزاحفة بين السنّة والشيعة