هاني فحص خارج الزمن الطائفي

السيد هاني فحص

ربما كان الزمان ليس زمانه، ولذلك رحل! وربما وجد نفسه غريبا في صحراء لا يجد صفحة ماء ينظر إليها سوى السراب، فغط في غيبوبته التي لن يفيق منها. هكذا خسرنا الرجل الاستثنائي السيد هاني فحصّ.
استثنائي، لأنه انفتح على أفق السماء، فلم تقيده التفسيرات البشرية للنصوص، وآمن بالإنسان مهما كان لونه أو جنسه أو دينه، وناضل من أجل حريته مهما يكن من استلبها.
لماذا يصبح هاني فحص رجلا استثنائيا، وتصبح خسارته فادحة؟ لأنه يقدم إيمانا جليا لا تشوبه الأحقاد، ولا تفسده الضغائن، ولا تعتريه المصالح، فالإيمان المطلق يتجسد ليس فقط بعبودية مطلقة، وإنما بأداء راق يتمظهر حبا وإنجازا، هو يقول: «في الماضي كنا متدينين أكثر من الآن.. الآن (لدينا) معرفة أكثر وتدين أقل، نصلي أكثر وثوابنا أقل».
كان هاني فحص رمزا للاعتدال في زمن التطرف، ورمزا للوحدة في زمن الانقسام، وصوتا صادحا بالحق مهما كره الأقربون والأبعدون.
وكان هاني فحص استثنائيا، لأنه لم يقع في أسر الإطارات، فقد تعامل مع الجميع دون أن يرضخ لأحد، انفتح على التجربة اليسارية، وانتمى لحركة فتح، وآمن بفلسطين وحمل قضيتها، وحمل لواء الحوار الإسلامي المسيحي، وكان قريبا من كل التيارات والمذاهب والأحزاب، ولم يتمذهب أو يتأدلج أو يتحزب.
المعضلة التي يعرفها الجميع، أن نموذج هاني فحص، وهو رجل الدين الذي يتسامى فوق النعرات والانقسامات، فضلا عن أن يستخدمها، هذا النموذج ليس مغريا، لأنه لا يقدم مغانم بل يجلب الخسائر، لقد خسر هاني فحص مرتين فرصته في دخول المجلس النيابي، لأن أي حزب لم يسلفه دعما، ولم يرتقِ لأي منصب، لأنه ليس محسوبا على أحد. وظلت مواقفه الجريئة، وآخرها موقفه من الحرب في سوريا، غير مدعومة أو مغطاة من القوى التي توفر الحماية لأتباعها مهما شطحت بهم الأفكار والأفعال.
كان متدينا، وكان معمما قبل أن تعطف الدنيا على هذه الفئة، وتميل لهم فتمنحهم حكما، وسلطة، ومالا، وأحزابا، وقوة، وجماهير.. وبقي على تدينه الصافي ونضاله النقي، وفكره الإنساني، ولم يركب موجة أو يتسلق حماس الناس أو يستثير غرائزهم لتحقيق أمانيه.. هذا نموذج مختلف تماما عن كثير من رجال الدين المشتغلين بالسياسة؛ الذين يستخدمون الدين مطية لأهوائهم.
في الزمن الطائفي الرديء يصبح الخروج من أسوار الطائفة شكلا من التعري في لفح الهجير؛ حيث تبدو الطائفة آخر ملاذات النجاة، كان السيد هاني فحص، ومعه عدد قليل من المثقفين والمفكرين يغامرون بالخروج على قواعد القبيلة الطائفية.
لقد آمن السيد هاني فحص بالدولة، وفكر الدولة، كما آمن بالعروبة والإسلام، ورأى في منهج الاعتدال حصانة من التطرف، وفي الوحدة حصانة من التمزق، وفي الدولة صيانة للتنوع وضمانة للتعايش؛ ولذلك فقد كان هاني فحص مشروعا تمثل في رجل، على الرغم من أن ذلك الرجل كان استثنائيا بامتياز.

السابق
انعطاف أميركي نحو مسار عسكري في سورية
التالي
العدو ليس «داعش» … بل مناهج التعليم!