هل خرج ’داعش’ عن سلطة آبائه المتناقضين؟

الساحة الإسلامية الأصولية في لبنان والعالم العربي تسودها البلبلة والاختلافات والاشتباكات والتصفيات في رأي إسلاميين لبنانيين. فنشوء تنظيم “داعش” مثلاً لا تزال تحيط به علامات استفهام كثيرة. وهم يتساءلون عن الجهات التي أطلقته وأمّنت له الوسائل التي يحتاج اليها للنجاح في مهمته الإلهية. ففي العراق، يقول هؤلاء، كان فرار مئات الإسلاميين المتشدّدين من سجن أبو غريب مستحيلاً، لكنه حصل بقدرة قادر. فمن جهة، كان عدد كبير من الضباط والجنود في اجازة. وعندما بدأ هؤلاء الخروج من السجن، لم يجدوا من يمنعهم من ذلك. ومن هناك انتقلوا الى سوريا، وانضموا إلى التنظيم المذكور الذي كان يحقّق نجاحات في ميدان القتال ولكن ضد الثوار الآخرين وليس ضد النظام عدوّهم المبدئي. طبعاً يعتقد الإسلاميون اللبنانيون أنفسهم أن سوريا الأسد ساهمت في تأسيس التشكيلات الإسلامية المتشدِّدة لإقناع الغرب بأن ما تواجهه ليس ثورة شعبية إصلاحية بل حرب إرهابية تقوم بها جماعات متخلّفة لا تقبل الآخر المختلف عنها ومعها. والمعلومات التي يحصلون عليها في انتظام من إخوانهم في سوريا وخارجها أكدت لهم دور أجهزة الأسد في “الانتفاضة” الفلسطينية في نهر البارد، وفي تحركات إسلامية اخرى داخل سوريا ولبنان. فهي اعتمدت على المسجونين من الإسلاميين عندها ومارست حيالهم الترغيب، أي إطلاقهم بعد ضمان تنفيذهم المهمات التي تحدّدها لهم، أو الترهيب أي البقاء في السجون والتعذيب في حال عدم التجاوب. يعني ذلك، في رأي الاسلاميين اللبنانيين إياهم، أن إسلاميي سوريا لم يعودوا في حاجة الى النظام السوري بعد نجاحاتهم فيها وضد منافسيهم من الثوار وبعد نجاحات “داعش” في العراق وبعد إطاحة بعض الحدود بين سوريا والعراق. ولذلك فان خطرهم صار كبيراً عليها بعدما أظهروا وبالملموس ضخامة خطرهم في العراق وعليه. وهو خطر يطاول الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضاً التي لا يمكن تبرئتها من مسؤولية الاعتماد على عدد من العناصر القيادية أو غير القيادية من الإسلاميين المتشدِّدين لإزالة العقبات من أمام تنفيذ استراتيجيتها الإقليمية. وبسبب ذلك كله بدأت سوريا الأسد وإيران الإسلامية محاولة الإفادة من التحسّس العربي السنّي الواسع والدولي الأوسع من “انتصارات” “داعش”، بل من الخوف الذي أثاره في أوساط الأكثريات المسلمة والأقليات غير المسلمة، والإفادة في الوقت عينه من الاستعداد الدولي لمكافحة إرهاب “داعش” ومثيلاته وذلك بإقناع الغرب الأميركي والأوروبي باعتبارهما شريكين معهما ومع العرب في حملتهم المشتركة على الإرهاب، لا بل باعتبارهما أول من خاض هذه الحرب منذ سنوات وحاول تنبيه العالم إليها.
طبعاً لا يبدو حتى الآن أن المحاولة السورية – الإيرانية المشتركة حققت نجاحاً. لكن لا يستبعد الإسلاميون اللبنانيون أنفسهم أن يكون لإيران دور في الحرب المذكورة أعلاه، وخصوصاً إذا نجحت الدول الأوروبية المعنية في إشراكها في مؤتمر دولي مخصص لمكافحة الإرهاب ستدعو فرنسا إلى عقده في عاصمتها قريباً. وينطلق عدم الاستبعاد من أن نظام الأسد لم يعد دولة مكتملة وصار غير قادر على تقديم الكثير، فضلاً عن أنه في حاجة إلى حماية وفّرها له حتى الآن الإيرانيون والروس و”اللبنانيون” و”العراقيون”. في حين أن إيران دولة اقليمية كبرى تستطيع المساعدة في مواجهة الإرهاب الإسلامي بالتعاون مع الدول الاقليمية الكبرى الأخرى في المنطقة. وفي انتظار أن يتحقق ذلك أو أن لا يتحقق، ستستمر سوريا في التغاضي، أو في تسهيل خروجهم من سجونها مباشرة أو من أراضيها إلى لبنان بقصد تعزيز أجواء الفتنة الطائفية والمذهبية. وأحد الأدلة على ذلك، يقول الإسلاميون اللبنانيون أنفسهم، قيام سيارة رباعية الدفع بنقل ابن أبو محجن، زعيم “عصبة الأنصار” المسؤولة عن قتل القضاة الأربعة في صيدا قبل أعوام، من سجنه في دمشق مباشرة إلى مخيم “عين الحلوة” قرب صيدا. وتردد أيضاً أن والده شوهد في المخيم. لكن ما يثير القلق أن “قادة” المخيم يعرفون أن في شوارعه وزواريبه مطلوبين خطِرين وتنظيمات مصنَّفة “إرهابية” ويتغاضون عن ذلك. وقد أبلغ إليهم “المسؤولون” هناك: “لن نغدر بكم. تستطيعون أن تبقوا شرط عدم إقدامكم على أي عمل”. فهل ينفِّذون الشرط؟ وماذا إذا تطوَّرت الأوضاع في لبنان على نحو يجعل تحرُّكهم ميدانياً حاجة ماسة لإخوانهم أو لأعدائهم؟ السؤال الأهم: ماذا إذا استمرت دول “معادية” للإرهاب في تمويله وتسهيل “عبوره” الحدود؟

السابق
المعركة في عرسال لم تضع أوزارها بعد!
التالي
حرب على معنى وجودنا