أدولف هتلر وأبو بكر البغدادي

النازية الألمانية صعدت بعد عقدين من نهاية الحرب العالمية الأولى لأسباب مقنعة معروفة: إقتطاع جزء من أراضي ألمانيا الجنوبية في نهاية هذه الحرب، التضخّم المالي الذي جعل الألمان في أثنائه يجرّون عربة محمّلة بملايين من الماركات لشراء رغيفين من الخبز، بأس الألمان وشدّة إنضباطهم، أخطاء بقية دول أوروبا بعدم تصديق قوة زعيمها، هتلر، ونواياه التوسعية الإجرامية، ولا حتى الشعار الذي انتشر في المانيا مع صعوده، بأنه، أي هتلر، “أعظم من المسيح”.

بموازاتها، كانت لـ”داعش” أسباب مماثلة بـ”منطقيتها”، لصعودها في العراق وسوريا: أخطاء الأميركيين الذين لم يكونوا حازمين بمواجهتها، ولا بمواجهة الديكتاتوريات التي أنجبته، وبتركهم العراق لدستور الحصص الطائفية، لقمة سائغة عند المالكي الذي أججّ المحاصصة وجعلها تنكيلا وتهميشا للسنّة، خصومه وحكام العراق السابقين. أخطاء إيران بقيادتها لمحور مذهبي حول هذا التأجيج إلى “ثورة سنية”؛ أخطاء الخليجيين الذين موّلوا “داعش” واعتقدوه لعبة نفوذ إقليمي يواجهون به إيران؛ أخطاء تركيا التي عوّلت على الجهاديين، في مناوراتها الإقليمية المتعددة التوجهات؛ أخطاء الجميع بأنهم لم يروه قادماً بقوة الصاروخ لإلغاء كل ما قامت عليه مدنيتهم، المستجدة اصلاً؛ الفراغ الفكري الفاضح الذي وجدت فيه… كل هذه الأسباب مجتمعة، والتي حوّلت الإسلام الجهادي إلى إطار عقيدي يجنّد طاقات محاربة هائلة؛ أي نوع من “الفرنكنشتاين” العربي.
كلها “أسباب” ساعدت “داعش” في التحول من مجموعة ميليشياوية إلى “دولة الخلافة الاسلامية”. لكن الحظ الجغرافي أو التاريخي لـ”داعش”، مثل الحظ النازي السابق عليه، يكمن في أشياء إضافية أخرى: أهمها ان هذه الدولة تسيطر على بقعة من الأراضي تساوي مساحة لبنان مرتين، انها ممسكة بمواقع استراتيجية لحقول النفط، انها تحكم عشرة ملايين إنسان، وانها باتقانها فنون الشبكة الإلكترونية، توسعت عالميا، فأصبحت تعبىء من القارات كلها، تحمّس روادها، تدرّبهم على كيفية “النوم” وكيفية “الإستيقاظ”، تجلبهم اليها بكبسة زر. وأن يكون، في بناء مقومات هذه الدولة، قاعدة صلبة قوامها استئناف الدعوة المحمدية. وهذه نقطة قوة هائلة عند “داعش”، تكسب عبرها الشرعية والقداسة والحصانة، وتبعد عن نفسها أسباب التمرد عليها، طالما انها هي الدين نفسه. فيأخذ أعضاؤها بالتشبه بالنبي وبزمنه وبما يتصورون انه كان عليه من هندام وعادات ويوميات الخ. ولكن استئناف الدعوة المحمدية ليس هو السقف العالي لـ”داعش”. صحيح ان في كل كلماته خشوعاً للرسول وتبريكاً، وآيات قرآنية، تشرح ما يراه التنظيم وترفع أبشع أعماله إلى مصاف الدعوة المحمدية. لكن في تصرفات “داعش” ما يشي بأن قادته، على غرار النازيين، باتوا يعتقدون أنفسهم “أعظم من الرسول”. فخليفتهم، البغدادي، تجاوز الرسول بالمساحة التي يسيطر عليها، بالثروات التي غنمها، بعدد الناس الذين تحت حكم “دولته”، بتمدّده الكوني، بالعداء الكوني له… إذا ما قارن البغدادي لحظة بين زمنه وزمن مكة، وهو على الأرجح يفعل ذلك مرات ومرات في اليوم الواحد، يدرك من دون عناء، بأنه، مثل هتلر، أعظم من الرسول الذي يقوم عليه دينه. تفصيل بسيط يشي بهذا الإدراك، ان “داعش” يقتل حتى الذين أسلموا تحت ضغط قتله لهم!
تلك القوة المشابهة، من حيث طاقتها، لقوة هتلر تنبىء بالقليل من مستقبلنا القريب مع ذاك الذي صنعه هتلر لأوروبا وشعوبها. قوة الذين يتصورون انهم يفوقون الأنبياء عظمة؛ فاذا كانت نهاية هتلر ملايين الضحايا والمجازر الموصوفة، وخراب أوروبا وإفلاسها، اللذين لم تقم منهما إلا بفضل الأميركيين، ومشروع “مارشال”، علاوة على إعادة رسم خريطة اوروبا كلها ونشوء دول وإلغاء إمبراطوريات، فان نهايتنا مع البغدادي لا يتوقع لها ان تكون على وجه أرحم. ملايين الضحايا، خراب هائل، حدود جديدة… ولكن من دون أميركا، الصاعدة المزدهرة. نهاية البغدادي ودولته حتمية؛ ولكنها سوف تكون بداية عصر ظلام وفوضى وفقر، أين منها محارق هتلر… أين منها صخرة سيزيف، المحمولة يومياً، والساقطة يومياً…
http://www.almodon.com/opinion/960154bf-7ba8-44d2-936c-2a3f154c7794

السابق
اشتباكات بين الجيش ومطلوبين في جرود بريتال
التالي
العبادي يتعهد حل الخلافات مع الاكراد