ماذا عن زيارة جنبلاط للقاهرة؟

وليد جنبلاط

وليد جنبلاط لا يهدأ. بين إستقبالاته الشعبيّة الأسبوعيّة يومي الثلاثاء في كليمنصو والسبت في المختارة (وهو تقليد يتفرّد به عن سائر القيادات اللبنانية الأخرى التي يتطلب الوصول اليها إجتياز عشرات الحواجز الأمنية وحلقات المستشارين)، وبين جولاته المناطقيّة في قرى الجبل متنقلاً بين بيوت أهلها متحدثاً عن السياسة وهمومها والإنماء ومشاكله، وبين زياراته للقيادات اللبنانية بحثاً عن سبل تحصين الإستقرار الداخلي وعن مخرج لأزمة الرئاسة التي إستطالت وولدّت فراغاً دستورياً وسياسياً خطيراً، وبين زياراته للعواصم الإقليميّة والدوليّة سعياً لإستشراف المخاطر المستقبلية والتحديات غير المسبوقة التي تمر بها المنطقة العربية؛ يبقى النائب وليد جنبلاط المحرّك الأول للواقع السياسي وأحد أبرز اللاعبين الكبار.
المحطة الأخيرة من حركة النائب جنبلاط حطت في القاهرة مع ما لذلك من دلالات سياسية هامة لا سيما أن مصر، عدا عن وزنها التاريخي وثقلها الإقليمي الكبير، خاضت في غضون عامين ثورتين كبيرتين عكست حيوية الشعب المصري ورفضه الخضوع لمحاولات إستلاب إرادته السياسية التي سُرقت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك لأكثر من ثلاثين عاماً.
لقد تأثر الوضع العربي كثيراً عندما خرجت أو أخرجت مصر (لا فرق من حيث النتائج والتداعيات) بعد توقيعها إتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل سنة 1977، وتأثرت بشكلٍ كبير كل مجريات الصراع العربي- الاسرائيلي بسبب تحييد الدور المصري عن الصراع. ولكن هذه الصفحة طويت منذ زمن بعيد وتحديداً بعد الغزو العراقي للكويت سنة 1990.
اليوم، تستعيد مصر تدريجياً دورها العربي والإقليمي وتسعى لأن تشكل عامل توازن في المنطقة العربية لا سيما أن الخطاب الرسمي المصري هو خطاب إعتدال إجمالاً ويرفض الإرهاب ويواجهه في شبه جزيرة سيناء عبر ضرب المجموعة المسماة “أنصار بيت المقدس” التي تتعرّض لضباط وجنود الجيش المصري. وتبذل القوات المسلحة المصرية جهوداً كبيراً لضرب محاولات تحويل شبه جزيرة سيناء الى بؤرة إرهابية.
تستطيع مصر اليوم، في ظل صعود التيارات المتطرفة التي تتلطى خلف الدين، أن تعيد الإعتبار لمفاهيم الإسلام المعتدل وأن تعيد التأكيد على الثوابت الإسلامية التي نادت بها وثائق الأزهر بحيث تكثف الجهود السياسية وحتى الدينية لإعادة تركيب العلاقات بين المسلمين والمسيحيين على قواعد جديدة بعد أن تعرضت لتشوهات كبيرة بفعل ممارسات تنظيم “الدولة الاسلامية” والمجموعات المتطرفة الأخرى.
وما الكشف عن عقد مؤتمر مسيحي – إسلامي يضم المفتين والعلماء السنة والشيعة الى جانب ممثلين كنائس الشرق الأوسط والعالم وممثلين عن الفاتيكان في مقر الأزهر في نهاية تشرين الثاني المقبل لمواجهة الإرهاب وتجديد العلاقات الإسلامية- المسيحية مع إرتقاب إصدار فتاوى عن المؤتمر لتحريم وتجريم الإعتداء على المسيحيين وكنائسهم بما يتقاطع مع دعوة بطاركة ومطارنة الشرق إلا خطوة إضافية في سياق سياسة الإحتضان المصري لهذا الملف الشائك.
أما على الصعيد المحلي اللبناني، وبسبب إصرار بعض القوى السياسية على ممارسة الترف الفكري في مسألة رئاسة الجمهورية والإمتناع عن فتح باب التسوية، ومع إتضاح صورة توزيع خارطة القوى السياسية داخل المجلس النيابي؛ يبدو كأنه لا مفر من إنتظار تبلور توافق إقليمي معيّن لتسهيل إنتخاب الرئيس اللبناني. وبذلك، يكون اللبنانيون قد فوتوا مرة أخرى فرصة إمساك زمام أمورهم الوطنية بذاتهم دون تدخلٍ خارجي، مع التأكيد على إنتظار تبلور هذا التفاهم الإقليمي ينطوي أساساً على الكثير من المحاذير بسبب الخلافات الراهنة لا سيما بين اللاعبين الكبيرين أي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ولو ان مؤشرات تقارب خجولة قد بدأت تظهر ملامحها في الأسابيع القليلة الماضية.
وليد جنبلاط يحمل على كتفيه عنوان الإستقرار الداخلي والسلم الاهلي وقد سدد من رصيده السياسي والشعبي الكثير بهدف الحفاظ عليهما، ولكنه وحده لا يستطيع إبتداع الحلول السياسية لكل الملفات العالقة، لأن ذلك يتطلب ترّفع القوى السياسية الأخرى وتعاونها لإجتياز هذه المرحلة المصيرية من تاريخ الشرق الأوسط برمته.
المهم أنه يسعى ويحاول دون كلل أو ملل.

السابق
مجلس خبراء القيادة في ايران يؤكد على محاكمة مرتكبي جرائم الحرب الصهاينة
التالي
فضيحة سرقة 63 مسلّة جنائزية من آثار صور