«كان زمان» متحف يحكي سيرة الضيعة القديمة

بدأ الجنوب ينشر سياحته الجديدة المتمثلة بقلاع ومتاحف ومغاور تحمل أبعاد التراث القديم، وتنطوي على ثقافة فكرية حرفية تمهد للجنوب ان يبسط حضوره على الخريطة السياحية وإن أغفلته الدولة عنها، رغم ما يختزنه من تاريخ عريق “غرق” لبرهة من الزمن في أدراج الإهمال.

سياحة المتاحف في الجنوب

“كان زمان” واحد من أهم المتاحف التراثية في الجنوب اللبناني، يقع في بلدة خربة سلم يُصور حياة “الضيعة” بكل تفاصيلها بل يبرز تجليات الماضي لـ”ركوب” سفينة الحاضر بقوة، ولعل “إحياء الماضي الجميل” ببضعة مقتنيات، هو العامل الأبرز الذي دفع بحسن محمود ماجد الى تأسيس هذا المتحف الرامي الى تعريف جيل اليوم على بساطة الحياة الضيعوية”.

التاريخ القادم

يرسم “متحف الضيعة” خريطة سياحية قروية جديدة، يمضي باحثا عن هويته علّ ما يحويه من أدوات حرفية وموسيقية وزراعية تعبد أمامه طريق تُمكنه من بسط حضوره السياحي بقوة وسط حالة الفلتان الذي يتخبط بها الواقع السياحي الحالي، ومع ذلك يقدم المتحف الذي يفترش مساحة 600 متر نافذة للإطلالة على الضيعة تلك التي وصفها مارون عبود بأنها “الحرية” وقال عنها جبران خليل جبران “التاريخ القادم للحاضر”.
من مدخل المتحف حيث تطالعك سيارة “الفولز فاكن” التي تعود الى العام 1960 الى “الحنطور” وسيارة قديمة الطراز تعود الى عشرينات القرن الماضي مرورا بالمرأة التي ترتدي الزي القروي تحضر طعاما وتضعه على “الكبكة” أي البراد قديما، وصولا الى داخل المتحف الذي يقدم الضيعة بطريقة فنية حرفية تراثية فلشت أسرارها وبساطتها في المكان، يتسنى للزائر أن يقرأ حكايات رسمتها تلك الحياة، كتبت بعضا من سطورها بتعب الفلاح وعرق جبين الخياطة والفلاحة.

ثقة مفقودة؟

يشبه متحف “كان زمان” السائح المغترب عن أرضه لسنوات وعاد ليتعرف عليه من جديد، هكذا حال كل زواره وحتى مؤسسه حسن محمود ماجد الذي حرص ان يضع مقتنيات جمعها من كل حدب وصوب في خدمة جيل بات همه الوحيد اليوم سياحة الواتس آب وثقافة الفايسبوك، وبين الاثنين سؤال يطلقه المشرف على المتحف الحج ناصر “متى تحظى السياحة الحرفية-التراثية بثقة المواطن والدولة على حد سؤال ألم يحن وقتها؟”.

ألف سؤال وحكاية وقصيدة ترافق الزائر الى المتحف، داخله زوار من مختلف القرى والبلدات هنا تجد فتاة تلتقط صورة قرب سكة الفلاح، وفي ركن السيارات القديم يقف فادي يأخذ “selfie” فيما تقف مي وسارة أمام كاميرا قديمة العهد تتعرفان على طريقة تصوير أيام زمان، تلك الصورة تتعرف عليها داخل متحف بدا يشكل ركنا أساسيا للسياحة داخل الجنوبي اللبناني، يعربش على ذكريات الأجداد ليخبر بعضا من بساطة حياة سمع عنها دوما “يا محلا إيام زمان”.

أثبتت القرية التي قال عنها الشاعر: “القرية تاج الأصالة من فاته حياتها غابت عنه أسرار المستقبل”. إنها جسر عبور تفاعلي بين ماض مفعم بالإلفة والعطاء ومستقبل أنهكه التطور وبين الاثنين يقع متحف “كان زمان” الذي يفلش في ثناياه ما تبقى من حياة القرية من مقتنيات البيت القديم الى حياة الفلاح وأدواته والمصوراتي وتطور آلة التصوير دون ان يغفل عمل المرأة الفلاحة في الأرض والخبز من الصاج الى الطابونة والتنور والخياطة وتحضير المونة.

ثقافة التراث الحرفي

يهدف المتحف حسب ناصر “الى إحياء عادات القرية القديمة التي حرص ماجد أن يقيمها داخل متحفه الذي بدأ بتأسيسه العام 2000 وأبصر النور العام 2010 ويحوي آلاف القطع المتعلقة بالفلاح، المرأة، الزراعة، السهرات وحتى السيارات القديمة مع إضفاء نكهة الحاضر ليتواءم مع أهدافه”.

لم يكن سهلا على ماجد أن “يجمع الماضي كله في مكان ولكن لم تكن أيضا مهمة مستحيلة” حسبما يشير المشرف على المتحف الحج ناصر لافتا الى أن “نشر ثقافة التراث الحرفي الضيعوي كان أولوية عند ماجد قبل أن يموت ويتسلم المهمة ابنه، لكي يتعرف جيل اليوم على البساطة التي لفّت حياة آبائنا”.

“لولا الماضي لما كان الحاضر” يعلق فادي أحد زوار المتحف لافتا الى أن “الضيعة القديمة نسمع عنها ولا نعرفها، من عدة الفلاح والسكة الى الكبكبة والنملية والخوابي كلها كانت أساسيات في حياتهم اليوم تحولت تحفة فنية راقية”.

نمط سياحي قروي

ان ميزة المتحف يكمن بأنه يلقي الضوء على حياة الجدود وتطورها من “تطور الفلاحة الى تطور حرفة التصوير الى الخياطة، نقل المحاصيل الزراعية من سريدة القش الى سريدة الجلد الى التراكتور، من مكانس البلان الى القش فالبلاستيك. حتى تطور سلاح البارودة من فرد الطلقة الى الرشاش وبارودة الصيد”.

كما يفرد المتحف عدة المرأة في المطبخ من اللكن الى الخليقنة والصواني كذلك الميزان وخوابي الزيت لتخزين الزيتون، الى سرير الطفل، السماور، الاستكانة التي كانت تستعمل للقهوة والشاي تستعمل للسهرات ، كوري توتيا، اللوكس والسراج. خبز الصاج الى خبر التنور والطابونة والطبلية حتى الآلات الموسيقية: الربابة والطبنجة والعود، كلها تتربع على عرش متحف يعد أولا في جنوب لبنان ويعرج على كل تفاصيل الضيعة بهندسة حرفية متقنة تنم عن الحاجة الى الأصالة والزعامة التراثية ليجحز المتحف “جواز عبوره الى عرين السياحة من باب “كان زمان” وإن غابت الرعاية الحكومية عنه كما يقول ناصر الذي يتولى مهمة شرح تفاصيل الحياة القروية للزوار دون أن يفته التغني بـ “سنجق الخربة” وهو كناية عن علم كبير يفوق عمره الـ120 عاما ان يسير أمام العروس والوفود المتنقلة من بلدة الى أخرى” .

ويشير ناصر الى أن “المتحف يركز على أدق تفاصيل القرية انطلاقا من قول الشاعر “اصالة القرية في تراثها، فاحفظها لتأخذك للمستقبل”، وربما هذا ما عمل عليه محمود ماجد الذي انشأ المتحف ليكون صلة وصل بين جيلين وأكثر بات “مقصدا لطلاب الجامعات لدراسة مفاهيم القرية وأصالتها”.

لا يختلف اثنان على اهمية الضيعة في الوقت الحاضر وهذا ما يقدمه المتحف الذي يقدم للزائر نمطا سياحيا مغايرا، أدرج خربة سلم على الخريطة السياحية رغم أن الدولة لم تدرجها على خريطتها، والأنكى أن المتحف يقدم هوية “ثقافة الماضي بروزنامة المستقبل” كما يقول رمزي.

باختصار يعبر المتحف عن مكنونات الجنوبي الأصيل، عن سهرات الضيعة البسيطة واكلاتها، ويحمل في أبعاده ثقافة المرأة العاملة والمزارعة والأم دون أن يغفل أي زاوية منها وهو إن دلّ على شيء في هذا التوقيت فإنه يدل على بيئة حاضنة للماضي بصورة متحف.

السابق
ما هكذا تورد الإبل يا أشرف
التالي
كيف تصبح مليونيراً في 8 خطوات بسيطة