أميركا بالأبيض والأسود

الشرخ العراقي كان ولا يزال من أبرز سمات المجتمع الاميركي، ويعود الى مرحلة ما قبل تأسيس الجمهورية الاميركية وهو السبب الرئيسي لأهم حدث في تاريخ الولايات المتحدة أي الحرب الاهلية التي قتل فيها أكثر من 620 الف اميركي. هذه السنة احتفل الاميركيون بالذكرى الخمسين لاقرار قانون الحقوق المدنية الذي يحرم جميع أنواع التمييز، والذي أنهى اجراءات التمييز التي كانت تحرم السود ممارسة حقهم الانتخابي في الولايات الجنوبية.

الحرب الاهلية أنهت العبودية لكنها لم تحقق المساواة. وخلال مسيرتهم الطويلة حقق الاميركيون ذوو الاصل الافريقي تقدما ملحوظا في مختلف المجالات (في التعليم، والوظائف، ومعدلات الدخل) وطبعا في 2008 انتخب باراك أوباما أول أميركي افريقي الاصل رئيسا للدولة وقد عين بدوره للمرة الاولى وزيرا للعدل ذا أصل افريقي.
طوال الايام العشرة الاخيرة صعق الكثير من الاميركيين لما يجري في فيرغيسون احدى ضواحي مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري عقب مقتل شاب أسود غير مسلح على يد شرطي أبيض. سكان البلدة بدأوا تظاهرات سلمية رافعين ايديهم وهم يرددون: “أيدينا مرفوعة لا تطلقوا النار”. التظاهرات الليلية بقيت بمعظمها سلمية، وإن تخللتها في بعض الحالات أعمال نهب محدودة ورمي لزجاجات حارقة على أفراد الشرطة. لكن الامر اللافت كان في الاسلحة والعتاد والذخائر التي استخدمتها الشرطة من القنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية وفي بعض الحالات الرصاص الحي، يطلقها أفراد شرطة يعتمرون الخوذ ويرتدون السترات الواقية من الرصاص ويستخدمون عربات مصفحة مزودة رشاشات ثقيلة كان يستخدمها الجيش الاميركي في أفغانستان والعراق. صور رجال الشرطة المجهزين بهذه الاسلحة الثقيلة، وهم يصوبونها الى المتظاهرين العزل، على خلفية الدخان والشرارات المتطايرة من القنابل الصوتية والدخانية، دفعت كثيرين الى التساؤل هل ما يشاهدونه يحصل في مدينة أميركية أم في بلدة في أفغانستان أو العراق؟
وأبرزت أحداث فيرغيسون ظاهرة “عسكرة” الشرطة الاميركية الجديدة نسبيا والتي تتعرض الان لانتقادات قوية سترغم الكونغرس على اعادة النظر فيها. ومرة أخرى يواجه الاميركيون بشكل مؤلم حقيقة ان الشرخ العرقي لا يزال قائما وأن الهوات بين البيض والسود في مجالات التعليم والبطالة والتوظيف ومعدلات الدخل لا تزال نافرة. أكثر من 60 في المئة من سكان فيرغيسون من أصل افريقي، لكن المسؤولين فيها هم من البيض بمن فيهم رئيس الشرطة. عدد أفراد الشرطة 53 منهم ثلاثة فقط من السود. الشرخ العرقي بدا نافرا بعد الاحداث إذ رأى 65 في المئة من السود وفقا لاستطلاع للرأي ان الشرطة تجاوزت صلاحياتها، بينما وافقهم ثلث البيض فقط.

 

السابق
كم سيصمد هذا الائتلاف؟
التالي
المياومون يقفلون كل مداخل مؤسسة كهرباء لبنان