أعيدوا لنا خدمة العلم

“أقسم بالله العظيم أنّ أقوم بواجبي كاملًا حفاظًا على علم بلادي وزودًا عن وطني لبنان”… عملًا بهذا القسم اختار عناصر الجيش وضباطه الموت في ساحات الوغى حفاظًا على وطن يشرذمه مسؤولوه، سواء بسياساتهم التي تتخطى حدوده، أو بعقدهم اتفاقات وتسويات مع إرهابيين على حساب الجيش.

بعد معارك كثيرة خاضها الجيش اللبناني ببسالة قلّ مثيلها، رغم تواضع الإمكانات وكثرة التحريض ضدّه، خرج منتصرًا مرفوع الرأس رادًا الأخطار عن لبنان وشعبه. أمس أيضًا خاض الجيش معركة في عرسال مع من اختبأوا خلف ستار الدين لتنفيذ مآربهم الإرهابيّة والإجراميّة، فقتلوا وذبحوا باسمه. خاض معركته بشجاعة عناصره وحدهم وكفاءة ضبّاطه، فسقط له شهداء في ساحة القتال واختطف عناصر له.

أمام هذه المعطيّات، كان الشعب اللبناني بكلّ أطيافه متضامنًا مع رمز “الشرف والتضحية والوفاء” افتراضيًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى أرض الواقع في مناطق رفضت التطرّف والإرهاب ومنعت من يحاول صبغها بهذه الصورة من تحقيق مآربه، بدءًا من عرسال نفسها التي وقف أهلها مع الجيش في محاربة “الدواعش” أو في سعدنايل التي منع أهلها بعض المتطرّفين من إغلاق الطرقات استنكارًا لعمليّة “السيف المصلت” التي يخوضها الجيش دفاعًا عن عرسال ولردّها إلى حضن الوطن. إضافة إلى ذلك، علت الأصوات المطالبة بإعادة خدمة العلم أو فتح باب التطوّع في صفوف الجيش بعدما تأكّد الشعب أن لا أحد غيره مستعد للموت من أجله.

هل ساهم قرار إلغاء خدمة العلم الإلزاميّة بإضعاف الجيش؟ ما هي المساوئ التي ترتبت عنه؟ هل الشباب مستعدّ للانضواء تحت رايته وهل يطالبون بإعادة الخدمة العسكريّة؟ وما هي شروطهم ودوافعهم لذلك؟

أعيدوا الخدمة
في استطلاع أجرته “النهار” مع عدد من الشباب اللبناني، يقول فؤاد شهاب: “أنا مع إعادة خدمة العلم، مصنع الرجال والمواطنيّة الصالحة والتنشئة الوطنيّة الصحيحة. فأن تتلقف المؤسّسة العسكريّة الشباب بعمر الورد أفضل من أن تستحوذ على عقولهم المجموعات الأصوليّة والطائفيّة. لقد أدّيت خدمة العلم وتمنّيت من وقتها لو أنني تطوّعت وساهمت بفعاليّة في خدمة هذه المؤسّسة التي جمعت المواطنين على أهداف صحيحة ومشتركة. من قام بواجب الخدمة يدرك قيمة الإنسان الذي يرتدي البذّة العسكريّة. وتاليًا ما نشهده اليوم من توجّهات أصوليّة منتشرة بين الشباب هي من النتائج السلبيّة لإلغاء خدمة العلم، إضافة إلى تراجع عديد الجيش من الشباب اليافع. إلغاء الخدمة العسكريّة كان بمثابة تمزيق الثوب اللبناني الجامع. عند استدعاء الاحتياط سأكون من أوائل الملتحقين”.

يوافقه شربل زغيب الرأي ويقول: “أنا مع إعادة خدمة العلم لأن إلغاءها ساهم بتراجع الاهتمامات الوطنيّة لدى الشباب اللبناني. خدمة العلم تنمي روح الخدمة الوطنيّة وتحمّل مسؤوليّة الدفاع عن الوطن. خدمة العلم خرّجت رجالًا فيما شباب اليوم ضائع وضعيف. شخصيًا قد ألتحق بالجيش في حال اندلاع معارك عنيفة تحتّم عليّ المساعدة فواجبي الدفاع عن وطني”.

في المقابل، يقول وسيم صافي: “أنا مع خدمة العلم غير الإلزاميّة، أو الإجباريّة لمدّة ثلاثة أشهر. لأنّ الخدمة الطويلة تضيع على الشباب سنة من أعمارهم، ومن المعروف أنّ سنة من الوقت تؤثّر كثيرًا في مستقبلهم المهني. إلغاء خدمة العلم أضرّ بالمؤسّسة العسكريّة وأفاد بعض الأطراف، فهو قلّل عديد الجيش ولم يعد لدى الشباب اللبناني الخبرة وفقد روح التعاطف مع الجيش”.

ويضيف سليمان أصفهاني بالقول : “أنا مع إعادة العمل بمرسوم خدمة العلم التي ساهمت بالانصهار الوطني بعد الحرب الأهليّة اللبنانيّة. خدمة العلم ساهمت في التكافل الوطني. أنا مستعدّ لأنّ أكون من أوائل المتطوّعين في صفوف الجيش اللبناني. إلغاء الخدمة في بلد يعيش على قوت الأزمات كان ضمن صفقة لتعبئة الجيوب بدلاً من ضمان مستقبل الوطن. الخدمة العسكريّة لا تخسر الدولة بل الإرهاب والفلتان. نحن بأمس الحاجة إلى الجيش وإلى الخدمة العسكريّة لمواجهة الأخطار التي تهدّد أرضنا ووجودنا وتعايشنا ومساجدنا وكنائسنا”.

هكذا أساؤوا للجيش!
وعن سيئات إلغاء خدمة العلم خصوصًا في وقت الأزمات حيث كان من الممكن الاستعانة بهذا العديد للمرابطة في المراكز، فيما ينقل الجيش المدرّب وذي الخبرة من المراكز إلى ساحة القتال، يقول رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامّة العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، هشام جابر، لـ”النهار”: “إلغاء خدمة العلم كان أكبر خطيئة يرتكبها مجلس النواب. فهي لا تحمل أي حسنة وكلّها سيئات. خدمة العلم أمّنت الانصهار الوطني وكانت ضروريّة لتحقيق الوفاق الوطني وجمع الشباب من كلّ الطوائف والأحزاب حول عقيدة واحدة. تعرّفوا إلى بعضهم وأكلوا وناموا وخدموا مع بعض. وهذه القيمة الوطنيّة الأهم لخدمة العلم والتي لها التأثير الأكبر”.

ويضيف: “خدمة العلم كانت تزوّد الجيش بأكثر من 6000 شاب سنويًا، فأفادوا الجيش لناحية العديد ولناحية الاختصاصات التي يعملون فيها، في وقت كان التطويع وما زال يتمّ بالقطّارة بسبب الميزانية التي لا تحفّز الشباب للدخول والانخراط بالجيش وبسبب المحاصصة الطائفيّة”.

إضعاف المؤسّسة العسكريّة
هل إلغاء خدمة العلم يندرج ضمن مخطّط إضعاف الجيش والقضاء على قدرته في بسط سلطته على كل الأراضي اللبنانيّة وحماية كلّ أبنائه؟ يردّ جابر: “الحكومات المتعاقبة، منذ عام 1992 وحتى اليوم، مقتنعة بضرورة بناء المؤسّسة العسكريّة، ولا توجد نيّات مبيّتة لإضعافه، لكن هناك قلّة إدراك لديهم، إضافة إلى تفضيل وتقديم مصالحهم الخاصّة والانتخابيّة على غيرها. فكثيرون يعلمون أنّ من أسباب إلغاء خدمة العلم استرضاء بعض الأصوات الناخبة”.

في المقابل، يقول عميد في الجيش اللبناني (رفض ذكر اسمه) لـ”النهار” : “مخطّط إضعاف الجيش يبدأ من ضعف تمويله وإمداده بالمعدّات اللازمة. الحكومات المتعاقبة تعمل على تخفيض ميزانيّة الجيش، ما يؤثّر في عمليّة التطوّع وعلى قوّته اللوجيستيّة والحربيّة. الجيش حارب في عرسال مجموعات تملك معدّات متطوّرة لا يملكها الجيش، زوّدت بها من الولايات المتحدة الأميركيّة ودول عربيّة”.

لقطع ألسنة من يتعرّض للجيش
ويضيف العميد نفسه: “الجيش قادر على حماية الوطن والأرض والشعب، كلّهم يخشونه سواء إسرائيل أو المجموعات الإرهابيّة التي تهرب منه اليوم. الجيش هو المؤسّسة الوحيدة القادرة على حماية لبنان. المطلوب معاقبة الأصوات النشاز التي ترتفع وتتهمه بقتل الأبرياء في عرسال. الإرهابيون هم من يأخذون المدنيين رهائن، ولولا الرهائن لكان الجيش طهّر عرسال من المجموعات الإرهابيّة. الجيش قوي والمطلوب من السياسيين أن يحلّوا عنه. يجب قطع لسان كلّ من يتكلم بحقّه بالسوء”.

هل الجيش بحاجة إلى حزب الله؟
وفي ظلّ ما يحكى عن ضرورة دعم حزب الله للجيش في حربه مع الإرهابيين، من منطلق أنّ دعم الجيش اللبناني أحقّ من دعم الجيش السوري، ألا يترتب على ذلك تقوية نفوذ الحزب وزيادة بقعة سيطرته وتعزيز الهالة التي تحيط به، يشير جابر إلى أنّ “الجيش بحاجة إلى تضافر جهود كلّ الفاعليّات ليكونوا الظهير في حربه مع أي عدو”. ويضيف: “الاستراتيجيّة الدفاعيّة تحتم وجود قوة نظاميّة وهي الجيش وقوة أخرى غير نظاميّة. لم أكن داعمًا لتدخل حزب الله في سوريا في البداية، لكن الآن الوضع تغيّر، فاشتراكه بمعارك القصير والقلمون منعت سيطرة المجموعات الإرهابيّة على المناطق المتاخمة للحدود اللبنانيّة – السوريّة، ولكان الوضع أخطر اليوم”.

ويتابع : “منذ ثلاثة أشهر يحارب الحزب هذه الجماعات في لبنان وتحديدًا في خراج يونين وبريتال، لكنّه لا يستطيع الدخول إلى عرسال بسبب الحساسيات المذهبيّة. تأييد الحزب للجيش واضح لكن من غير الحكمة التدخل في عمل الجيش إلّا إذا طلب منه ذلك سواء من الحكومة أو من الأهالي أنفسهم”.

ويضيف جابر : “عرسال ليست طرابلس ولا عبرا، بل أخطر. على فرنسا الإفراج عن الودائع الخاصّة بالجيش الآن. التنديد في مجلس الأمن لا يكفي، فعلى الدول المموّلة للإرهاب أن تكفّ عن الدعم. هناك مخطّط لضرب الاستقرار في لبنان، هناك خلايا نائمة قد تتحرّك في أي وقت في طرابلس والبقاع الغربي وغيرها من المناطق”.

خدمة العلم والأنصار والاحتياط
أقرّت الخدمة الإلزاميّة بعد نهاية الحرب اللبنانيّة، ونظرًا للإنهاك الذي أصاب الجيش بعد الحرب كان من الضروري تعزيز عديده وعتاده للقيام بواجباته وبسط سيطرته على كلّ الأراضي اللبنانيّة مع زوال ظاهرة الميليشيات. بدأ تطبيق قانون خدمة العلم عام 1993، وكانت البداية مع طلب مواليد عام 1973 لتأدية الواجب واستمرّت الخدمة سارية حتى عام 2007 بعدما ألغيت بموجب القانون 665/2005.

شكّل أنصار الجيش مرّة واحدة في تاريخ لبنان، وكان ذلك إبّان حربي التحرير والإلغاء عامي 1989-1990 في عهد العماد ميشال عون. أمّا احتياط الجيش فقد استدعي آخر مرّة خلال حرب تموز عام 2006.

السابق
الفورمولا 1: حلبة سوتشي جاهزة لسباق الجائزة الكبرى لروسيا
التالي
حساب جديد للأمن العام على تويتر