حرب يطلق مبادرة لحل أزمة انتخاب الرئيس

بطرس حرب

أعلن وزير الإتصالات بطرس حرب، في مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر اليوم عن مبادرة “لحل أزمة انتخاب رئيس الجمهورية ولإخراج البلاد من المأزق الدستوري الذي تتخبط فيه، والذي يهدد استمرارية الوطن ووجود الدولة ووحدة شعبها ومؤسساتها”.

وقال حرب: “إسمحوا لي بداية أن أثمن موقفكم الحريص على أن يكون اختيار رئيس جمهورية نتيجة توافق أكثرية موصوفة من أعضاء مجلس النواب وليس قرارا عاديا، ما دفعكم، وخلافا لرأيي الدستوري، إلى اعتبار، أن لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية نصابا خاصا، لم ينص عليه الدستور صراحة، ولكنه مستنتج مما جاء في أحكام الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور، والتي تنص على أنه “ينتخب رئيس الجمهورية … بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى…” وهو ما رددتموه أمامي مرارا”.

اضاف: “لقد جارت هذا التوجه المستوحى من تقاليد المجلس الدستورية، الكثير من القوى السياسية والمقامات الوطنية، ولا سيما البطريركية المارونية، التي أعلنت تأييدها لهذا التوجه، ما حال دون انتخاب رئيس للجمهورية عام 1988 في الدورة الأولى للانتخاب بنصاب الأكثرية المطلقة، أي نصف أعضاء المجلس زائدا واحدت، وذلك تحصينا لعملية الانتخاب ولتفادي إستفراد طائفة معينة، أكانت مسيحية أم إسلامية، بفرض رئيس للجمهورية على جميع اللبنانيين، إذا تعاونت هذه الطائفة مع نائب أو أكثر من الطائفة الأخرى، ما يؤكد أن رئيس البلاد يجب أن يكون نتيجة عملية انتخابية تتواجه فيها القوى السياسية المتنوعة الانتماءات السياسية والطائفية لاختيار رئيس تفرزه أكثرية عددية متنوعة الانتماءات الطائفية”.

وتابع: “إلا أننا اليوم، قد تجاوزنا النقاش حول هذا الأمر، ودخلنا في حالة تشكل سابقة سياسية ودستورية لم تشهد الحياة السياسية والممارسات الدستورية مثيلا لها. فاليوم، نحن أمام المشهد الدستوري الآتي:

لقد التأم مجلس النواب، بناء على دعوتكم، لانتخاب رئيس جديد بتاريخ 22/5/2014، وفقا لأحكام المادة 73 من الدستور، وانعقدت الجلسة بعد توافر نصاب الثلثين المستنتج من الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور، وجرت دورة الاقتراع الأولى التي يجب أن ينال فيها أحد المرشحين غالبية الثلثين من مجلس النواب ليصبح رئيسا للجمهورية، ولم يحصل أي من الأشخاص الذين أعلنوا ترشيحهم، والذين لم يعلنوا، الغالبية المطلوبة في الدورة الأولى، ما أدى إلى إعلان عدم نجاح أحد بمنصب رئيس الجمهورية في الدورة الأولى للاقتراع”.

وكان يفترض، كما جرت العادة، وكما استقرت التقاليد والأعراف الدستورية، أن تجرى دورة الاقتراع الثانية في الجلسة عينها، والتي ينص القسم الثاني من الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور على أنه يكتفي فيها بالغالبية المطلقة لنجاح أحد المرشحين. فما كان من فريق سياسي معين، يشكل عدده أكثر من ثلث أعضاء المجلس، إلا وانسحب من الجلسة، زاعما أن الانسحاب يفقد جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية النصاب الذي جرى التقليد على إعتماده في الدورة الأولى، هذا بالرغم من أن الغالبية المطلوبة لانتخاب رئيس للجمهورية في دورات الاقتراع التي تلي الدورة الأولى هي الغالبية المطلقة وليس غالبية الثلثين”.

وتابع: “إلا أن دولتكم، وحرصا منكم على السعي إلى التوافق، وهو مسعى مشكور، وبدلا من الاستمرار في دورات الاقتراع، ولا سيما أن نصاب الغالبية المطلقة المطلوبة للنجاح في الدورة الثانية كان لا يزال متوافرا، قررتم تأجيل السير بالدورة الثانية إلى موعد لاحق. وبالنظر لاستمرار تعنت الفريق السياسي الذي عطل نصاب الجلسة لإجراء دورة ثانية للانتخاب، بقي لبنان لليوم السادس والثمانين دون رئيس للجمهورية، مع ما لهذا الأمر من انعكاسات على حسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى قدرة لبنان على مواجهة الاحداث الخطيرة التي تعصف بالبلاد، ولا سيما الإرهاب والقتل والتهجير، والتي تطال الوجود المسيحي في الشرق، ما دفع بالبعض إلى الخوف من أن تكون عرقلة انتخاب رئيس لبنان الماروني المسيحي، وهو الرئيس العربي المسيحي الوحيد في الشرق، احدى حلقات سلسلة تهجير المسيحيين من مراكز القرار الوطني والقضاء على آخر معقل حر آمن لهم فيه”.

وقال حرب: “دولة الرئيس، كلنا نعيش الأزمة الخطيرة التي تمر فيها البلاد، وكلنا ندرك حجم الاخطار التي تهدد دولتنا ووحدتنا ونظامنا، وبالتالي وطننا وكياننا. وكلنا قلقون جدا على المصير، فالقضية لم تعد تسابقا على السلطة ومنصب رئاسة الجمهورية، ولم تعد صراعا على نفوذ في الدولة. فالقضية أصبحت أبعد من ذلك بكثير. فهي مرتبطة ببقاء الجمهورية أو زوالها، وهي مرتبطة بإستمرار الدولة أو سقوطها، وهي مرتبطة بمصائر اللبنانيين وسلامتهم وحقوقهم وحرياتهم ومستقبلهم، ولا سيما مستقبل أولادنا. وهي مرتبطة بإستمرار دور المسيحيين في الشرق وبميثاقية السلطة في لبنان”.

ورأى “ان مقاربة موضوع الرئاسة يجب أن تتبدل لأن أبعادها تغيرت، ولأن ظروفها تجاوزت الظروف العادية لإنتقال السلطة في لبنان، ولأن حياة اللبنانيين ووجودهم أصبحوا في خطر داهم”.

واكد “ان حق النائب، أي نائب، بالإمتناع عن حضور جلسة ما، حق لا يناقش فيه، لأنه يحافظ على حرية ممثل الشعب بإتخاذ الموقف الذي يعبر عن رأي كل الشعب اللبناني، (وليس من إنتخبه فقط)، فهو ممثل للأمة جمعاء، ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل ناخبيه (المادة 27 من الدستور). إلا أن ما لا يجوز القبول به والسكوت عليه، أن يمارس هذا الحق لتعطيل الدولة ومرافقها ومؤسساتها ولتعريض النظام السياسي ووحدة اللبنانيين وإستقرارهم للخطر”.

وأعلن “ان هذا التمادي في تعطيل أحكام الدستور يشكل بنظري إنقلابا سياسيا على الدستور وعلى الدولة، يوازي، في خطورته وأبعاده، الإنقلاب العسكري الذي لم يعرفه لبنان والحمد لله. ولست أدري ما إذا كان قد أصبح وصول شخص ما إلى موقع الرئاسة أهم من الإستقرار والأمن والإطمئنان والنظام، وما إذا كانت كل الوسائل مستباحة لتحقيق ذلك، ولو أدى ذلك إلى تعطيل المؤسسات الدستورية وضرب الدستور وإيقاع البلاد في الفراغ”.

وقال: “ان محاولة دفع القوى السياسية للافاق على رئيس أمر محمود مشكور، أما أن يفرغ موقع الرئاسة الأولى بسبب عدم الاتفاق، ففيه خطورة كبيرة لا يجوز القبول بإستمرارها. ولو كان الأمر كذلك، فلماذا ورد في الدستور مواد تحدد آلية إنتخاب رئيس للجمهورية، ولا علم لي بأننا ألغينا هذه المواد من الدستور، وحولنا الإنتخاب إلى تعيين من نتفق عليه؟ وإذا لم نتفق، كما هي الحال اليوم، وكما هو منتظر إذا بقي العماد عون رافضا لتطبيق أحكام الدستور ولإعتماد آلية الإنتخاب التي تنص عليها، فهل تبقى الجمهورية بلا رئيس، وهل يبقى لبنان يعيش خارج الصيغة الميثاقية التي وزعت المراكز الأولى في الدولة على المسلمين والمسيحيين، دون رئيس مسيحي، ومع وجود رئيس المجلس النيابي ومجلس الوزراء من المسلمين والأخطر أن تتعقد الأمور فتسقط بنتيجتها كل مواقع الحكم المسيحية والمسلمة معا؟”.

اضاف: “لقد بذلتم، يا دولة الرئيس، جهودا كبيرة لتحقيق الاتفاق على رئيس للجمهورية، ولكن، للأسف، لم تؤت هذه الجهود ثمارها، بل على العكس من ذلك، نرى فترة ولاية مجلس النواب، الممددة أصلا وخلافا للمبادىء، تشارف على نهايتها، ونرى مجلس النواب، أي السلطة التشريعية، مهددة بالسقوط لعدم جواز إنتخاب مجلس جديد ولا رئيس للجمهورية منتخبا بسبب تعطيل إنتخابه، يشرف عليها، والحكومة تعتبر مستقيلة حكما عند بدء ولاية مجلس النواب (الفقرة ه من المادة 69 من الدستور)، وليس من يجري الإستشارات النيابية لتسمية رئيس للحكومة وإصدار مراسيم تشكيلها، ما سيؤدي إلى خلو كل الرئاسات الدستورية وإلى سقوط كل المؤسسات والسلطات. وهو ما يخدم مصلحة المتآمرين على لبنان وصيغته الحضارية ورسالته الإنسانية النبيلة”.

وتابع: “بالرغم من صدق نواياكم الوطنية والميثاقية السليمة لم تحصل الانتخابات الرئاسية، ما سمح للبعض بالانقلاب على الدستور والنظام، ما بات يضع لبنان امام خطر شطبه من التاريخ، وأنا متيقن أنكم لا تقبلون بذلك. فأنتم المؤتمنون على دور مجلس النواب كرئيس له، وأنتم إبن مدرسة الإمام الصدر التي قدمت الشهداء دفاعا عن لبنان”.

وسأل: “فهل يجوز أن نبقى مكتوفي الايادي ننتظر الاتفاق المستحيل كما يبدو، أم علينا، مجتمعين، متضامنين متكافلين، العمل على إجراء الانتخابات الرئاسية بأسرع وقت، فنتفادى بذلك الرضوخ إلى أبغض الحلال، والإضطرار إلى القبول بتمديد جديد لولاية مجلس النواب، تمديد مخالف للمبادئ وللإرادة الشعبية التي إنتخبت هذا المجلس لمدة أربع سنوات فقط، ونتفادى كذلك إستمرار تعريض لبنان لكبرى المخاطر ولأفدح الأضرار”.

وقال: “ألا ترى معي يا دولة الرئيس الإعصار الذي يعصف في المنطقة حولنا، والذي وصلت طلائعه إلى ديارنا في عرسال؟ ألا تعتبرون أن ما يجري مغامرة محفوفة المخاطر بلبنان؟. هل يجوز الإنتظار أكثر لينتهي الجدل حول جنس الملائكة، والإتفاق على إسم الرئيس المقبل والكارثة تزحف نحونا تهدد البنيان بالسقوط على رؤوسنا جميعا، فنندم حين لا ينفع الندم”.
اضاف: “أعرفكم جيدا يا دولة الرئيس. لستم ممن يهربون من تحمل المسؤوليات، ولا سيما عندما يرتبط مصير وطنكم وأهلكم بقرار يعود إتخاذه لكم. لقد أعطيت مهلا أكثر من معقولة للإتفاق، ولم يحصل إتفاق. دعنا نعود إلى الأصول، إلى الدستور إلى قواعد الديموقراطية الحقيقية. فلنعد إلى صحن المجلس، نحتكم لأحكام الدستور، ولنسع جميعا إلى إختيار من نجد فيه الوطنية والنزاهة والكفاءة والخبرة رئيسا، بالأكثرية التي تنص عليها المادة 49 في الدورات التي تلي الدورة الأولى التي جرت دون نتيجة”.

وتابع: “وكما إستنتجنا نصاب الثلثين للدورة الأولى من أن إنتخاب الرئيس في الدورة الأولى يستوجب حيازة أحد الأشخاص على غالبية الثلثين، فقياسا على ذلك، فلنستنتج نصاب الأكثرية المطلقة من أعضاء مجلس النواب في دورات الإقتراع التي تلي الدورة الأولى، لأن إنتخاب الرئيس في هذه الدورات يستوجب حيازة شخص على الغالبية المطلقة فقط، وانتم تعلمون أن هذه “الأكثرية – النصاب” متوافرة من خلال موقفكم، وكتلتكم، الملتزم بالحضور، ومن خلال مواقف كتل نيابية أخرى تشارككم الرأي بوجوب حضور جلسات إنتخاب رئيس للبلاد. مع لفت نظركم إلى أن بطريرك الموارنة، الذي منع بموقفه المعارض إنتخاب رئيس في الدورة الأولى بالأكثرية المطلقة عام 2007، يؤيد اليوم بحرارة كبيرة إنتخاب الرئيس في الدورة الثانية، وما يليها، بنصاب الأكثرية المطلقة. هذا بالإضافة إلى أن مشاركتكم وكتلتكم النيابية في جلسة الإنتخاب، ومشاركة كتل من مختلف الطوائف، تسقط أي حجة بعدم ميثاقية العملية الانتخابية”.

وقال: “دولة الرئيس، المطلوب منكم الحسم والإقدام، وأنتم من عودتمونا على ذلك، أفهم أن يرفض فريق مسيحي المشاركة في إنتخاب رئيس مسيحي للبنان ويعرقلها، فهو يتحمل مسؤولية ذلك أمام التاريخ وأمام رأي عام المسيحيين، إلا أنني لا أستطيع أن أفهم أن يساند فريق غير مسيحي في عملية التعطيل، ويتحمل مسؤولية ضرب ميثاقية السلطة في لبنان القائمة على توزيع السلطات بين المسيحيين والمسلمين، وضرب دور المسيحيين في إدارة شؤون الدولة اللبنانية، ولاسيما في زمن إضطهاد المسيحيين وتهجيرهم من الشرق العربي ذي الأكثرية المسلمة”.

اضاف: “إنها مبادرة أسوقها بتواضع، مبادرة لا تجترع المعجزات ولا تخترع البارود، إنها دعوة صادقة للعودة إلى الدولة ودستورها وميثاقيتها لكي نتفادى السقوط في هاوية النسيان والألآم. مع أملي أن تتلقفوا مبادرتي هذه بروح الوطنية والإنفتاح والحكمة والحنكة التي خبرناها معكم لنعمل معا لإنقاذ ما تبقى من لبنان”.

السابق
نقابة المعلمين: قررنا العودة عن قرار مقاطعة التصحيح
التالي
السنيورة: النوّاب قد يكونوا مضطرين إلى اللجوء للتمديد