لبنان يترقّب تداعيات عودة الحريري

بعد ثلاثة أيام على عودة زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري الى بيروت، لا تزال هذه العودة تشغل المسرح الداخلي أسوة بتداعيات التطورات التي حصلت في بلدة عرسال البقاعية، علماً ان هذه التطورات شكلت السبب الاساسي في عودة الحريري بعد ثلاث سنوات وأربعة أشهر من الغياب القسري.

وبدت الايام الثلاثة الماضية كافية لتظهير الصورة الكبيرة التي تواكب عودة الحريري والحركة الاستثنائية في كثافتها التي بدأها على محاور مترابطة تتوزّع بين السرايا الحكومية وبيت الوسط ودار الفتوى، فيما عرسال وأحداثها المتواصلة تشكل حجر الرحى فيها.

ويمكن القول استناداً الى الاوساط الوثيقة الصلة بهذه الحركة ان عملية احتواء كبيرة جداً بدأت للواقع السني في لبنان من خلال عودة الحريري، كان آخر فصولها امس طيّ صفحة أزمة دار الفتوى المديدة التي انتهت بانتخاب مفت جديد للجمهورية اللبنانية هو الشيخ عبد اللطيف دريان بتوافُق سني عارم أسبغت عودة الحريري عليه لمسة انفراج واسعة مع ان الحريري شخصياً لم يشارك مع رؤساء الحكومات السابقين في عملية الانتخاب.

وإذ شكل حضور جميع أعضاء الهيئة الناخبة الى المأدبة التي أقامها الحريري في بيت الوسط بعد عملية الانتخاب البُعد الشكلي والضمني لدلالات العودة الحريرية في هذا التوقيت، فان ما سبق ذلك وما سيلحقه في الحركة السياسية والرسمية والأمنية يستكمل السعي الى احتواء تداعيات أكبر التحديات التي واجهها لبنان الاسبوع الماضي والتي يفترض ان تكون بمثابة تجاوُز أخطر قطوع عرفه منذ اندلاع الأزمة السورية.

وتقول الاوساط نفسها لـ «الراي» ان الاجتماعات التي عقدها الحريري يوميْ الجمعة والسبت مع عدد وافر من السفراء وممثلي مجموعة الدعم الدولية للبنان في شأن وضع هبة المليار دولار السعودية لتزويد الجيش وقوى الأمن بما يحتاجان اليه في مواجهة الارهاب، كشفت حجم الارتياح الدولي لعودة الحريري وكذلك للدعم السعودي، وذلك من منطلق فهم هذه الدول لضرورة إعادة تحصين الشارع السني كعامل أساسي من عوامل مواجهة التطرف والاستهدافات الارهابية ومنع بيئة حاضنة له في الشارع اللبناني. ثم ان الاجتماعات التي عقدها الحريري مع سائر المسؤولين الرسميين المعنيين بوضع الهبة السعودية موضع التنفيذ وفي مقدمتهم رئيس الحكومة تمام سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي اتخذت مسالك تنفيذية سريعة خلافاً لكل ما واكب البطء والتعقيدات في تنفيذ الهبة السعودية الاولى البالغة ثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش من فرنسا والتي لم تُنفذ بعد رغم الاعلان عنها في ديسمبر الماضي.

اما على المستوى السياسي العام، فان عودة الحريري أحدثت انفراجاً يمكن البدء في البناء عليه لتطوير هذه الأجواء نحو لقاءات قيادية مهمة في الايام المقبلة ولو انه يُستبعد تماماً ان يكون من بينها اي لقاء محتمل بين الحريري وشخصيات من «حزب الله».

وتضيف الاوساط ان مشهد العودة الحريرية سيبدأ من الساعات المقبلة يتجه نحو وسائل توظيف العودة لإعادة تطبيع الوضع في عرسال من خلال استكمال الانتشار العسكري والأمني الذي بدأ فيها والشروع في ورشة إعمار ومساعدة واسعة للأهالي في وقت لا تزال حالة المخاوف تجتاح البلدة جراء قضية الأسرى العسكريين الذين يحتجزهم المسلحون السوريون (عددهم نحو 36) من التنظيمات المتطرفة في جرد عرسال على ما يسود الاعتقاد.

وتتخذ قضية الأسرى بعداً ثقيلا جداً في انعكاسات المواجهة التي شهدتها عرسال. لكن المصادر المتابعة للملف تتوقع تحرك وساطة هيئة العلماء المسلمين في الساعات المقبلة في هذا الاتجاه وتنتظر ما قد تنقله هذه الهيئة من مستجدات الى الجيش اللبناني. علماً ان الفيديو الذي تم تداوله عصر امس على انه لعسكريي الجيش (عددهم نحو 19) ويظهرون فيه كلٌّ يقول اسمه (وبينهم جريح) يمكن اعتباره مؤشراً الى ان المفاوضات مستمرة ويمكن ان تتخذ زخماً بعد الكشف عن ان العسكريين بحال جيدة.

وتشير المصادر الى ان اتصالات لبنانية رسمية غير معلنة تجرى مع دول اقليمية لدفعها الى المساهمة بقوة في الجهود والضغوط للإفراج عن الأسرى في أسرع وقت ومنع نشوء أزمة رهائن طويلة مماثلة لأزمة رهائن أعزاز، اذ ان الوضع في عرسال يستدعي حل ازمة الأسرى العسكريين بسرعة لانه سيبقى عرضة للانتكاس الأمني ما دامت هذه القضية قائمة كسيف مسلط على الجيش والسلطات اللبنانية.

فيما كرر أهالي العسكريين وعناصر قوى الامن اعتصاماتهم (قطعوا طريق رياق بعلبك الدولية).

السابق
الاسباب الحقيقية وراء الكمين المسلح الذي تعرّض له نوفل ضو!
التالي
مكين: أوباما تقاعس عن مهاجمة «داعش» في سورية