ذوو ضحايا الطائرة الجزائرية: نريد ولو شعرة منهم

«نحن نريد ولو أشلاء صغيرة من أجساد أبنائنا وذوينا، ندفنها ونصلّي عليها ولأجلها في الأعياد المقبلة»، فهذه الأعياد حلّت من دونهم وهم مجهولو المصير. لا يُعرف لهم مكان على الأرض ولا في السماء ليُدفن ما بقي منهم في تراب البلدات والقرى التي رحلوا منها طالبين حياة أفضل.

بعد نحو أسبوع على سقوط الرحلة «AH 5017» عبر الخطوط الجوّية الجزائرية، يبقى مصير ضحاياها مجهولاً، وبالتالي مصير تسع عشرة ضحيّة لبنانية استقلوا الطائرة من واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو إلى الجزائر للتوجّه بعدها إلى لبنان.
حتى الساعة هناك حطام طائرة وأشلاء وصندوقان أسودان يتمّ تحليلهما، فيما سلّمت الدولة اللبنانية أمورها إلى الدولة الفرنسية التي خسرت في الرحلة نحو 55 مواطناً. وهناك كثير من التحليلات الصحافية والأخبار المتناقلة التي لم تصب الحقيقة، بقدر ما أصابت قلوب أهالي الضحايا بكثير من الحزن والألم والمرارة. حتى ذهبت إلى اعتبار الحادث عملاً إرهابياً سببه انتقام مجموعة مالية من الفرنسيين، وكشف الإعلام العربي من دون سواه عن وجود بين 20 إلى 30 عنصراً من الجيش الفرنسي على متنها. خبر لم يذكره الإعلام الغربي ليبقى الاحتمال السائد هو حادث جوي «قد يكون سببه رداءة الطقس»، وفق ما أعلنه وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة لوزير الخارجية جبران باسيل، من دون الجزم.
أمس زار وفد من ذوي الضحايا باسيل في مكتبه في الوزارة، شرحوا همومهم خلال اجتماع مغلق ونقلوا إليه مطالب أساسية أبرزها الشفافية في التعاطي مع الملف، وتشكيل خلية أزمة لمتابعة الكوارث، وتنظيم «طيران الشرق الأوسط» رحلات من وإلى إفريقيا تجنباً لسفر اللبنانيين عبر خطوط جوية غير موثوق بها.
قبل كل ذلك أرادوا منه عدم الاستسلام في متابعة الملف والحث على إنهائه في أسرع وقت ممكن، والحصول ولو على جزء بسيط من جثث ضحاياهم كي يتمكنوا من دفنها والحداد عليها. قال له ابن عم الضحية منجي حسن، عبد الله حسن: «استغل نفوذك السياسي حتى نصل إلى مبتغانا»، معلناً أن تواصل العائلة بشأن الملف هو حصري مع الوزارة ولا معلومات عن ضحاياهم حتى الساعة. وقد خسرت العائلة منجي وزوجته وأولادهما الثلاثة.
حين اعتلى عباس دهيني شقيق الضحية بلال دهيني منبر الوزارة بعيد اللقاء، لم يتحدث عن تقاعس الدولة في متابعة الملف، بل وجه نداءً إلى الإعلام بكل أشكاله لوقف تناول الأخبار قبل التدقيق. ولفت إلى أنهم كانوا عرضة لما أسماه «أقاويل» و«تضليل»، فكانت تنشر الأخبار في لبنان قبل ورودها من فرنسا وأي بلد آخر، علماً أن الفرنسيين هم أول من وصل إلى حيث حطام الطائرة شمال مالي. قال «كنا نعرف قبلهم أخباراً تبيّن أنها عارية عن الصحّة وقد زادت من آلامنا». هو أيضاً طالب بخلية طوارئ تتابع الملف والتطورات فيه.
بالنسبة لعائلة الضحية جوزف الحاج كان جوّ اللقاء إيجابياً، فأشار صديقها جو أبو جودة إلى أن باسيل تعاطى بشفافية مع الملف وأن الدولة كلّفت ممثلين عن الوزارات المعنية لمتابعته، فيما يؤازر اختصاصي علم الحمض النووي الدكتور فؤاد أيوب فريق الاختصاصيين في مالي وفرنسا لمطابقة النتائج، ما يعني أن الحكومة شكّلت خلية لمتابعة الموضوع. يدرك أبو جودة أن التحقيق لم يختم بعد لمعرفة الحقيقة حول أسباب الحادث ولا مطابقة الحمض النووي انتهت لاستلام الأشلاء. ويضيف «صحيح أن الطقس كان رديئاً لكن لا أحد يمكنه أن يجزم أنه سبب الحادث». ما يعرفه ذوو الضحايا حتى الساعة أن «موضوع الأشلاء ما زال غامضاً ومسرح الحادث صعب وطبيعة الحادث صعبة وبشعة».
يشير قريب الضحية عمر بلّان إلى أن عائلة الضحية تعيش حالة ضياع شأنها شأن العائلات الأخرى، وأنها تطالب بإنشاء خلية أزمة تتابع الموضوع «وهو ما وعدنا الوزير باسيل بطرحه أمام مجلس الوزراء».
ضمن الوفد جلس الكاهن نبيل شلهوب، لا تربطه صلة قربى بأي من الضحايا بل هو راعي أبرشية بوركينا فاسو. قال: «أنا أعرفهم جميعاً، أولادهم في المدرسة التي أديرها هناك، وقد كانوا جميعهم آتين إلى لبنان لقضاء عطلة الصيف والأعياد». وصل شلهوب إلى لبنان قبل أسبوع على الحادثة، وهو اليوم يتابع القضية مع ذوي الضحايا. يؤكد أن الحزن كبير وأن أياً منهم لم يتقبل التعازي بعد بانتظار وصول جثامين ذويهم، «وهم يخافون من أن يأتي يوماً ويُقال لهم إن الملف أقفل ولم نجد أثراً لذويكم وأن تبرد همة الدولة اللبنانية فيصار إلى التخاذل حتى ضياع الملف. حتى ولو كانت الوزارة اليوم تتابع عملها تماماً كما يتابع قنصل لبنان في بوركينا فاسو جوزف الحاج الموضوع عن كثب إلى جانب قنصل سوريا هناك جورج رستم المعني الشخصي بالحادث كونه فقد شقيقه. وهما كانا يعملان بجهد ومازالا يتابعان الملف دقيقة بدقيقة».
من الضحايا أيضاً يعرف شلهوب، السوري فادي سيوفي الذي استقل الطائرة للمشاركة في حفل زفاف شقيقه.
أهالي الضحايا لا يعيشون حدادهم بعد، وهو في علم النفس أقسى وأكثر ألماً من الحداد نفسه، يطالبون بالحقيقة راجين أن تأتيهم بسرعة مع أحباء فقدوهم. إلى ذلك، الحين، الزمن متوقف بالنسبة لهم، ووجوههم الشاحبة دليل على ذلك.

باسيل: الحداد بعد الحقيقة

في تصريحه بعيد اللقاء اعتبر باسيل أن للأهالي حقّاً مقدّساً بمعرفة آخر التطورات في شأن الملف وأن الحكومة اللبنانية ليست في صدد إخفاء أي معلومات عنهم بدءاً من الأسباب مروراً بحالة الركاب بعيد الحادث وفي حينه وصولاً إلى وقائع الحادثة ومصير ذويهم. وأوضح أنه تمّ التواصل مع وزراء خارجية الدول المعنية والبعثات الديبلوماسية لمعرفة الحقيقة ومواكبة البحث، «وفعلياً ليس لدينا عقبات قانونية أو قضائية أو تقنية، لكن الحادثة بطبيعتها صعبة جداً وعملية البحث صعبة جداً ومطابقة الأشلاء مع الحمض النووي تستغرق وقتاً».
بالنسبة إلى باسيل لا يمكن تحميل لبنان الرسمي والشعبي والاغترابي أكثر مما يمكن أن يتحمّله، «فالدولة الفرنسية مثلاً تؤمن خطوط طيران إلى إفريقيا، وتؤمن ظروفاً معيشية للفرنسيين أفضل من تلك التي تؤمنها الدولة اللبنانية، وقد واكبت الحادثة فور وقوعها من خلال خلية طوارئ لديها، لكنّها في الخانة نفسها معنا ولديها عدد اكبر من الضحايا. وبالنسبة له وجب أخذ العبر «بدءاً من أن لبنان لا يقوم بواجباته تجاه مواطنيه ولا يؤمن لهم وسائل النقل الكافية إلى القارة التي فيها عدد كبير من الاغتراب اللبناني الذي يقدّم لوطنه الكثير». وقد حمّل الإعلام مسؤولية استباقه للتحقيقات وتقديمه استنتاجات ومعلومات بهدف السبق الصحافي، بما مسّ شعور أهالي الضحايا وسبّب بكثير من الأذى لهم.
حتى الساعة لا يملك باسيل معلومات عن الطائرة سوى أن الفرنسيين أبلغوه أنه تم الانتهاء من التفتيش عن الأشلاء أمس وأنها ستبدأ عملية المطابقة. «لكننا فعلياً لا نعرف كم من الوقت سوف تستغرق». إلى ذلك يتم تحليل المعلومات المتأتية من الصندوقين الأسودين منذ ساعات. ورأى أنه من واجب لبنان أن يعلن حداداً رسمياً لكن سيكون ذلك فور صدور نتائج المطابقة «وسيعود القرار للأهالي إن كان يريدون استقبالاً واحداً أم لا».
وأوضح أن سبب وقوع الطائرة واضح منذ البداية وهو «نتيجة الاتصال بقائد الطائرة وطلب تغيير مساره بسبب رداءة الأحوال الجوّية». مع ذلك ينتظر باسيل صدور التقرير الرسمي لشرح الأسباب والنتائج، معلناً أنه سيقف عند رأي مدعي عام التمييز بعد درس الإمكانية القانونية للبنان لفتح تحقيق في الحادثة.
واعتبر أنه «يجب أن تكون هذه الحادثة قد علمتنا انه يجب فتح خطوط مباشرة للمغتربين اللبنانيين في أفريقيا واميركا اللاتينية وأي بلد آخر يضم جالية لبنانية كبيرة».

عملية التعرف على الضحايا «قد تدوم سنوات»

أكد مدير الشرطة القضائية الجزائرية عبد القادر قارة بوحدبة أن عملية التعرف إلى ضحايا الطائرة الجزائرية التي تحطمت في مالي «ستدوم أسابيع أو أشهر، وربما سنوات».
وكشف في مؤتمر صحافي عن أن «العديد من عينات جثث الضحايا التي أُخذت في مكان الحادث غير قابلة للاستغلال نتيجة الظروف المناخية التي تعرضت لها ونتيجة قوة ارتطام الطائرة».
وأوضح أن فريق الشرطة العلمية الجزائرية المتكون من 13 خبيراً عمل مع الخبراء الفرنسيين والإسبان لجمع العينات وتحليلها.
وقال: «كل دليل يمكن أن يؤدي للتعرف إلى الضحايا سيتم استغلاله، لكن يجب التحقق منها بطرق علمية».
وأعلن نائب مدير الشرطة العلمية الجزائرية علي فراقي أن «العينات التي يمكن استغلالها (في تحديد هوية الضحية) يمكن أن تعطي نتائج دقيقة. أما العينات التي لا يمكن استغلاها فتوضع جانباً لتحليلها في وقت لاحق»، باستخدام التقنيات الملائمة.
أضاف فراقي «كل العينات التي نسميها ما بعد الموت، تم أخذها وسنقوم بمقارنتها بما نسميه عينات ما قبل الموت، لنتمكن من تحديد هوية الضحية».
وكان المسؤول العسكري لدى رئيس بوركينا فاسو الجنرال جيلبير دينديري قال إن انتشال الجثث سيكون صعباً جداً وربما مستحيلاً لأن الطائرة تفككت عندما تحطمت وتناثرت قطع حطامها على مساحة كبيرة.
أضاف: «لا اعتقد أننا سنتمكن من استعادة جمع اشلاء الجثث (…)، لقد تناثرت وتبعثرت».
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد اعلن أن «الجثث كلها» ستُنقل إلى فرنسا من أجل تحديد هوياتها.
يُذكر أنه كان على متن طائرة «الخطوط الجوية الجزائرية» وهي من طراز «ماكدونال دوغلاس أم دي 83» المستأجرة من «سويفتير» الاسبانية 118 شخصاً لم ينج منهم أحد، وهم 112 مسافراً وأفراد الطاقم الستة الإسبان. والركاب هم 54 فرنسياً، 23 من بوركينا فاسو، 19 لبنانياً، ستة جزائريين، ورعايا من بلدان أخرى.

الحوت: «طيران الشرق الأوسط» مستعدة.. ولكن
أوضح رئيس مجلس إدارة «شركة طيران الشرق الاوسط» محمد الحوت أن الشركة تنظم رحلات إلى أربع مناطق في أفريقيا، هي: كانو واكرا ولاغوس وأبيدجان، وأن حكومة الكونغو أوقفت خط كينشاسا. وأكّد أن الشركة تنظم رحلاتها بعد دراسات للجدوى الاقتصادية، «علماً بأننا نخسر من خلال تنظيم رحلات إلى أفريقيا».
واستغرب الحديث عن تكثيف الشركة رحلاتها إلى أفريقيا في ضوء حادثة سقوط الطائرة الجزائرية، معتبراً أنه «لا يمكن تنظيم رحلة بكلفة 200 ألف دولار لعشرين راكباً». ولفت إلى أن 40-50 في المئة من اللبنانيين في أفريقيا لا يستقلون طائرات «الميدل إيست»، حيث رحلاتها متوفرة ويستبدلونها بشركات أرخص.
وأوضح أنه على الحكومة إعادة تنظيم اتفاقيات مع عدد من الدول لتتمكن الشركة من تنظيم رحلات إليها، «وهو مطلب عمره ثماني سنوات وعد وزير الخارجية الجديد بتفعيله».
وأكد الحوت أن «الميدل إيست» جاهزة لتشغيل أي خط إلى أي بلد في أفريقيا أو غيرها بقرار من الحكومة، مما يستوجب أن تتحمل الخزينة النتائج المالية على أن تُلحظ هذه التكلفة ضمن الموازنة العامة.

السابق
هل أخطأت ’القوات’ بعدم دخول الحكومة؟
التالي
وفاة المدعي العام القاضي سميح الحاج