لبنان العراقي والسوري والبرازيلي والألماني… واللاّ لبناني

الوطن لنا كلبنانيين مسألة شديدة التعقيد. لا نعرف إن كنا نشبهه أو إن كان يشبهنا. نولد 18 طائفة، رهينة لطبقة سياسية فاسدة، لا نستطيع أن نحب بلدنا بأنانية أو بفخر، لأنّنا لا نشعر بعاطفته تجاهنا. نقع في الفخ، نلجأ إلى أن نكون أبناء الطوائف. وحين يمرّ بعض الوقت، وبسبب كل هذه الصراعات، نفقد المفهوم اللّبناني كأنّه لم يكن أبداً.

الوطن لنا كلبنانيين مسألة شديدة التعقيد. لا نعرف إن كنا نشبهه أو إن كان يشبهنا. نولد 18 طائفة، رهينة لطبقة سياسية فاسدة، لا نستطيع أن نحب بلدنا بأنانية أو بفخر، لأنّنا لا نشعر بعاطفته تجاهنا. نقع في الفخ، نلجأ إلى أن نكون أبناء الطوائف. وحين يمرّ بعض الوقت، وبسبب كل هذه الصراعات، نفقد المفهوم اللّبناني كأنّه لم يكن أبداً.

 

لا أعرف كيف أعرّف لبنان. أنظر إليه وأراه عراقياً حين ينقسم بلد عريق كالعراق. أراه سورياً أكثر من سوريا حين تندلع الأزمة. أراه سعودياً وإيرانياً في الصور واللافتات الّتي ترتفع على طريق المطار أو في بيروت ومناطق أخرى. لا يشطرني هذا الوطن إلى نصفين فقط، 8 و14 آذار، بل معهما إلى بلاد وأجندات خارجية.
حين بدأت الأحداث في العراق وانتشرت أخبار استحواذ داعش على الموصل ومناطق أخرى، كان جميع او معظم مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي جزءاً من الحدث. لم يكونوا مشاهدين عاديين. كان بعضهم يشعر بالغلبة تجاه داعش، وبالتالي بالغلبة تجاه اللبناني الّذي يميل إلى داعش. وكان اللبناني “الداعشي” أيضاً يشعر بالانتصار، ليس في العراق فحسب، بل تجاه اللبناني “الآخر”.
كذلك الأمر بالنسبة إلى سوريا والبحرين، إلخ. على الرغم من البعد الجغرافي، لا يعطي اللبنانيون الأولوية للـ”جار”، وأقصد بالجار هنا على غير عادة استخدام المصطلح ابن البلد، بل يفضلون “ابن الطائفة” البعيد. ينقسمون في المونديال، بين ألماني وبرازيلي وأرجنتيني، ويصبحون فجأة وطنيين، يهتفون للبلد الذي يناصرون فريقه.
ولأكن صادقة، لا أعرف كيفية تحديد الشعور بالانتماء إلى وطن، ولا إن كان الأخير مثلاً مساحةً من الجغرافيا أو رزمةً من القيم والمبادئ ونظام العيش. لا أعرف أيضاً لماذا يجب أن ننتمي إلى مكانٍ ما وإن كان البلد قدراً هو الآخر. يولد الإنسان من عائلةٍ ما، لا يختار والديه ولا توقيت مجيئه أو رحيله، ولا أيضاً المكان الّذي يولد فيه. لكنّه محكوم بأن يكون “كلّ هذا”.
أحاول أن أحدّد تعريفاً لهذا المكان الّذي يحدّد هويّتانا، لكن عبثاً. لا أعرف إن كانت الأوطان تدين لنا بأماكن وحيوات أفضل، أو إن كنا نحن فعلاً من نصنع هذه الفكرة ومن يجب أن نضحي في سبيل هذا الوطن. أظنّ أنّ الوطن أيضاً هو ضرب عبث من ضروب الحياة، يذكرنا بعدم قدرتنا أن نختار. هو نوع من الحماية ضد الآخر، وسقف يبقى أفضل من العراء.
الوطن لنا كلبنانيين مسألة شديدة التعقيد. لا نعرف إن كنا نشبهه أو إن كان يشبهنا. نولد 18 طائفة، رهينة لطبقة سياسية فاسدة، لا نستطيع أن نحب بلدنا بأنانية أو بفخر، لأنّنا لا نشعر بعاطفته تجاهنا. نقع في الفخ، نلجأ إلى أن نكون أبناء الطوائف، نصبح فجاة خارج إطار الوطن وفي إطار الزعامة السياسية مثلاً أو فكر ايديولوجي معيّن. وحين يمرّ بعض الوقت، وبسبب كل هذه الصراعات، نفقد المفهوم اللّبناني كأنّه لم يكن أبداً.
لا أعرف بسبب هذا كلّه إن كان يمكننا أن نلوم اللبنانيين على انقساماتهم وعلى تفضيل الولاء للمجموعة، بدل الولاء لبلدهم. لكن أليسوا هم الملامون أيضاً، لأنّهم اقتصروا تعريف أنفسهم بهذه الجماعة. نحن اللبنانيون، المطعونون في لبنانيتنا، الّذين يريدون وطناً من نوعٍ آخر، وحيثما التفتنا، رأينا الموت والفساد والدمار. نحن اللبنانيون الآخرون، هل تقع علينا الملامة أيضاً؟
في محصلة الأمر، لا يعي اللبناني أنّه بعراقيته أو سوريته أو إيرانيته لا يخدم ولا يقدم أو يؤخر في أيّ من هذه البلدان. نحن هنا، عالقون على نفس الـ10452 كلم. نهرب منها إلى أماكن أخرى، بتعليق الآمال على انتصارات خارجية، وننسى أنّنا باقون هنا. ليس لنا مكان آخر.

السابق
نبيل خوري: ألف شكر لحزب الله لمنعه وصول داعش الينا
التالي
التفكير من خارج الفقاعة