وزير شيعي.. مرحباً مليون!

تعيين الدكتور محمد أبوساق وزيراً لشؤون مجلس الشورى وعضواً في مجلس الوزراء، الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين في بداية شهر رمضان المبارك، في اعتقادي أنه نقلة نوعية وتاريخية في مشروع خادم الحرمين الشريفين في مشروعه الإصلاحي، الذي يرمي إلى المشاركة السياسية لجميع أبناء الوطن، على أسس المواطنة والكفاءة بعيداً عن الأطر الضيقة والمعايير المذهبية والمناطقية، فالدكتور أبوساق أتى من خلفية عسكرية وسياسية، تمثلت في عمله بمؤسسة الحرس الوطني ومجلس الشورى في تجربة مميزة.
فالوطن للجميع ومن تجد فيه القيادة القدرة على خدمته فهو الأهل لذلك الموقع، ولكن من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي و«الهشتاقات» التي تابعت بعضها على موقع «تويتر» على خلفية هذا القرار يصدم كيف أن الطائفية متغلغلة في أطناب المجتمع، ومن يقرأ تعليقات القراء على هذا الخبر سيصاب بالصدمة إلى الحال التي وصل إليها البعض في تغييب العقل، وكم لوث البعض خطابنا الثقافي، فغالب من يعترض على مثل هذا القرار يرتكز على أسس طائفية تنادي بإقصاء المكونات والأقليات في مجتمعنا، وهذا باعتقادي مصيبة عظيمة، فالوطن ملك للجميع، ولنا الحق بخدمته والدفاع عنه، بغض النظر عن خلفياتنا المذهبية والإثنية والمناطقية.
لكن البعض للأسف وعلى خلفية هذا القرار يقارن أنه مثلاً في إيران لا توجد مساجد لأهل السنة، ولا يوجد وزراء أو مسؤولون في ذلك البلد من الطائفة السنية، ولكن هل إيران هي المثال الجيد الذي يعتد به في هذا الموضوع؟
فإذا كان هناك إقصاء وتهميش لطوائف وقوميات وهذا هو واقع الحال في إيران، فإننا يجب أن ننظر إلى بعض مكونات مجتمعنا انطلاقاً من هذه النقطة، فلماذا مثلاً لا ننظر إلى دول أخرى تحكم صاحب الولاء والخبرة في اختيارها لرجال دولها، فهناك دول خليجية لا تنظر إلى هذه القضية في الاعتبار كما هو الحال في الكويت والبحرين مثلاً، أما إذا ذهبنا بعيداً إلى دول العالم المتقدم فالولايات المتحدة الأميركية مثلاً يحكمها وللمرة الأولى رئيس أسود، في دولة ذات غالبية بيضاء، والحال مشابهة في دول مثل بريطانيا التي يوجد فيها وزراء مسلمون من أصول آسيوية، وفرنسا كم وصلت وزيرات من أصول مغاربية إلى مناصب وزارية فيها، وآخرهن وزيرة العدل في فترة رئاسة ساركوزي، في تلك الدول لم نسمع الخطاب الإقصائي على الأساس الإثني، بل إن تلك الشعوب تشجع الأقليات على الاندماج في العملية السياسية، وعدم التقوقع داخل مجتمعاتها الصغيرة، وعلى أية حال ربما تكون المقارنة غير عادلة، لكنها تكشف لنا سر تقدم تلك الشعوب، فالقضية ليست شعارات وخطاباً ينادي بالمساواة لدينا، لكنه يسقط في أول امتحان وتجربة حقيقية، كما فضحنا البعض عند تعيين وزير من أقلية لها الاحترام الرسمي قبل المجتمعي للأسف، وهذا مؤشر خطر على هشاشة البناء المؤسساتي السياسي في مجتمعاتنا، الذي ربما يستغل من أطراف كثيرة في الداخل والخارج.
معيار الاختيار للوظائف العامة هو الولاء الحقيقي للوطن، بغض النظر عن منطقة أو مذهب هذا أو ذاك، وربما يتحجج البعض أن تلك الطائفة ولاؤها للخارج، ومرجعيتها الدينية تتخطى الحدود، ولكن في اعتقادي أن أية طائفة دينية أو إثنية متى ما كانت تتمتع بحقوق المواطنة في بلدها، ووجدت أن لها تمثيلاً حقيقياً في مشهدها السياسي ولم تتهم بالخيانة، فسيكون ولاؤها لوطنها لا محالة، أما من يدعون إلى الإقصاء فإنهم أكبر خطراً على الوحدة الوطنية، خصوصاً في الظروف الراهنة التي تمر بها منطقتنا فأنا لا أطالب مثلاً أن يكون هناك حضور للأقليات بسبب أنها أقليات، ولكن متى ما وجدت الكفاءات في أي مكون اجتماعي صغر أو كبر حجمه، فهذا هو المعيار لتولي منصب قيادي في مجتمعنا.
ربما لا أكون مبالغاً ومن خلال رد الفعل على مثل هذا التعيين، أن القيادة سبقت المجتمع في كسر مثل هذه الحواجز والأوهام عند البعض، وكلنا يتابع دور مركز الحوار الوطني في اللقاءات التي عقدها وناقش فيها، مثل القضايا الحساسة، وأتى القرار الملكي متوجاً لتلك اللقاءات.

السابق
قادة المحاور يضربون عن الطعام في رومية!
التالي
مشكلة العرب لا مشكلة الأكراد