المدهش في أمر داعش!

ميرزا الخويلدي

أليس عجيبا ومدهشا أن فرقة ظلامية، دموية، استيقظت من سبات التاريخ لكي تقيم للعرب دولة باسم الخلافة؟ تلغي حدود السيادة والجغرافيا، وتصهر قهرا جميع الشعوب في قوالبها التي لا تنتمي حكما لهذا العصر ولا تستقيم معه.
هذا مدهش.. ويحمل من المتناقضات ما يحمله الماء الزلال..! فهذا الماء رغم بساطته هو مخلوط انفجاري من الهيدروجين والأكسجين.
كيف تجمع تحت راية «داعش» المعمدة بدم الأبرياء الليل والنهار: الدولة، ونقيضها الخلافة التي تعني إلغاء مفهوم الدولة الحديثة، ونقض بنيانها، وتدمير أساساتها.
الدولة هي كيان سيادي، والخلافة تلغي السيادة. والدولة تقوم على نطاق جغرافي، وجيش الفاتحين الداعشيين أزالوا الحدود، والدولة تتكون من: الأرض، والشعب «مصدر السلطات»، والسلطة «الممثلة للشعب»، والقانون «الدستور».. والأخير هو العقد الاجتماعي الذي يربط وحدات الدولة. فأين داعش من هذا..؟
هذا كله مدهش..!، وأكثر منه أن هذه الحركة التي يحلو للبعض مقارنتها بحركة المغول التي اجتاحت أرض الخلافة وأسقطت بغداد في منتصف القرن الثاني عشر (1258)، أو حركة الحشاشين خلال الفترة من القرن الحادي عشر والثالث عشر الميلادي.. وقبلهم القرامطة في القرن الثامن الميلادي.. وكلها حركات دموية تجاوزت على الإرث الإنساني في بناء الدولة تحديدا، تأتي اليوم بالقوة والقهر والجبروت، لتعيد آلة الزمن نحو الخلف.
هذا مدهش..!، وأكثر منه أن الروح المتوثبة للمقاتلين الدمويين أصبحت تجتاح العالم العربي والإسلامي، فتحولت داعش إلى ثقافة تنتشر بسرعة البرق، وتهيمن على عقليات ظلت مأسورة للتاريخ. هذا الإعجاب الكبير الذي يلف أعدادا هائلة من الشباب والمثقفين بالنموذج الذي تمثله داعش وبالفكر الذي تقدمه وتطرحه، هو أكبر مما تحتمله الدهشة..! لقد كان المغول ينتصرون على خصومهم بالرعب. ولكن هؤلاء لا يكتفون بالترهيب، فهناك دعاة ومسوقو أحقاد يبررون لهم كل الحماقات والجرائم التي يرتكبونها، تحت شعار الثأر والانتقام.
وما يفعله أولئك المبررون، أو أولئك الصامتون، أنهم ببساطة يسجلون هدفا هناك ويحرقون الملعب هنا..! إنهم يتجاوزون على مفهوم الدولة عبر التصفيق الصفيق لطغيان داعش.
ولذلك فإن داعش تتمدد في فضاء أوسع كثيرا من الخارطة السوداء التي يبسطونها على رقعة واسعة من البلدان، وسر تمددها أن هناك بنية فكرية تمثل بيئة حاضنة لهذا الفكر قادرة على استنباتها ورعايتها.
لا مناص من مواجهة الواقع، والواقع يقول: إن داعش لا مستقبل لها. وخرافة دولة الخلافة زائلة. وإن هذه العصابة الدموية لا تحمل مقومات الحياة، ولأن «من سل سيف البغي قتل به».
لكن ماذا نفعل بالفكر الداعشي المتمرد على الدولة، والقائم على نقض السلم الأهلي، وإثارة الاحتراب، والدخول في خصومة مع التطور والحداثة..؟ الفكر الإقصائي الذي يتوسل بالعنف والقهر والذي يزدري المنطق والفلسفة والفكر النقدي.
داعش ستزول لأنها لعبة مخابرات عالمية، وحين ينتهون منها سيركلونها. لكن هذه الثقافة التي تمثلها داعش وتستمد منها القوة وتجند الظلاميين جيلا بعد جيل، هي ما يحتاج إلى تفكيك وتجفيف المنابع. واستهداف هذه الثقافة هو في صلب الحرب على الإرهاب، وفي صلب حفظ الأمن الوطني.
ومعلوم أن هذا الفكر الظلامي يفقد ميزته عندما يعرض للشمس وللضوء.. فلا أفضل من مواجهته بمزيد من الانفتاح الفكري وتحرير المجتمع من قيوده ومنح حريات واسعة للمرأة ورعاية التنوع والتعدد وإطلاق العنان للآداب والفنون واستيعاب حركة الشباب نحو الحداثة.

السابق
«داعشية» إيران في مواجهة الربيع العربي!
التالي
عدالة صماء بكماء