عملية السلام الفلسطيني – الإسرائيلي ميّتةٌ استراتيجياً

كيف يمكن لإسرائيل، المؤسّسة الأمنية – السياسية، أياً يكن الحاكم فيها من يمين أو يسار أو وسط، علماني أو ديني، أن تقبل بتحديد نهائي لحدود إسرائيل الجغرافية في وقت تنهار فيه حدود دول المشرق العربي ولا سيما سوريا والعراق؟

على الرغم عن الاستياء الذي تولّد في الإدارة الأميركية من مسؤولية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن انهيار العملية السياسية التي قادها وزير الخارجية جون كيري بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، وعلى الرغم من استمرار ضغوط العديد من دول الاتحاد الأوروبي على الحكومة الإسرائيلية بشأن استمرار هذه الأخيرة في التوسّع الاستيطاني، وعلى الرغم من التباين بل التناقض الواضح الذي ظهر بين موقف الإدارة الأميركية القابل بالتعامل مع حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينيّة التي شاركت فيها “حماس” وبين موقف الحكومة الإسرائيليّة الرافض لهذه الحكومة بسبب وجود “حماس” فيها….. على الرغم من كل ذلك… تبدو “عملية السلام” أكثر من مشلولة بل هي ميّتة عملياً في ظل الظروف الراهنة في العالم العربي ولاسيما في المحيط المشرقي منه. في الواقع تفاقم انفجار الأوضاع يجعلها عملية ميّتة استراتيجيّا.

فلقد بات من الصعب جداً أن يشهد الجيل الحالي في العالم العربي حلاً يلبّي طموحات الحركة الوطنية الفلسطينية والقائمة أساساً على معادلة “دولة فلسطينيّة مستقلّة في الضفة والقطاع عاصمتها القدس الشرقية”. لو تلفّت صانعُ القرار الإسرائيلي، أياً يكن، حوله، ألن يعتبر أن قبوله بدولة فلسطينية وفق الحد الأدنى لما تطالب به القيادة الفلسطينية الرسمية في رام الله، هو خطوة قاصرة وقصيرة النظر بل غبية :

1 – عندما يكون كل الإطار الذي وُلِدٓتْ منه وعلى أساسه، مع بعض التعديل، الخارطةُ السياسيةُ لجميع دول المنطقة المشرقية هو في طور التفكّك ليس فقط عبر الحربين الأهليّتين السورية والعراقية – وقد اقتربتا من أن تصبحا حرباً أهلية واحدة! – بل عبر اقتراب موعد الولادة الرسمية للدولة الكردية في شمال العراق.

2 – عندما تبدو إسرائيل الدولة الأكثر استقرارا قي المشرق العربي، بل الدولة المستقرّة الوحيدة في منطقة “سايكس بيكو”، فلماذا تقبل الآن بتحديد حدود لها رفضت أصلاً في أزمنة كان النظام العربي فيها أقوى أو أقل ضعفا أن تحدّدها بصيغة نهائية؟ بهذا المعنى، الزمن الحالي في الحسابات الاستراتيجية الإسرائيليّة هو زمن توسّع لا زمن انكفاء! حتى فكرة الانسحاب الاسرائيلي من طرف واحد من بعض مناطق الضفة الغربية التي نُسِبت إلى نتنياهو هي محاولة لاستيعاب الضغوط الدولية ولكن مع “ميني فلسطين” تفرضها “إسرائيل كبرى”.

3 – عندما تكون إيران في طور بناء تفاهم استراتيجي مع الولايات المتحدة يعرف صُنّاع القرار الإسرائيلي أن أحد أسسه العميقة هو الانسحاب الإيراني من الصراع العربي الاسرائيلي وكانت بوادره على هذا الصعيد أن الثمن الاستراتيجي الوحيد الذي أسفرت عنه الحرب السورية هو تخلّي النظام السوري، بموافقة إيرانية روسية، عن ترسانته من الأسلحة الكيماوية. وهو السلاح النوعي الأهم الذي كان يملكه في ميزان قوى عسكري مختل لصالح إسرائيل.

4 – عندما تضطر مصر أن تجعل منع الحرب الأهلية وإنقاذ حدود الدولة من التفكّك هدفين رئيسيّين لها في مواجهة الانهيارات المحيطة بها مشرقاً ومغرباً. ولئن نجحت من حسن الحظ في ذلك بقيادة الجيش والدعم الشعبي النابع من ثقافة سلميّة عميقة في المجتمع المصري، فإن دورها الإقليمي معطّل باستثناء بعض الأولويات الإفريقية المتصلة بأمنها الوطني. وهي لن تستطيع في ظروفها الراهنة وربما حتى أمدٍ طويل أن تدخل الى المثلّث الحالي الحيوي المتشكِّل والمتصارِع حول المنطقة وهو مثلّث إسرائيل تركيا إيران بحيث تحوّله إلى رباعي يعبِّر عن حضورها المنشود والصعب. 5 – عندما لا تولد دولة جديدة في المنطقة إلا وتكون صديقة لإسرائيل بدءاً من جنوب السودان… لا تمر منطقتنا في زمنٍ ميّت. بالعكس تمرّ في زمنٍ حيوي ولكنه من زاوية النظر العربية هو زمنٌ انتحاري. على القيادة الفلسطينية التي احتفظت باتزانٍ أكيدٍ في الحربين الأهليتين السورية والعراقية ولاسيما السورية، أن تبني استراتيجيّتها الجديدة على أساس هذه الحقائق-المآزق.

وعلى رأسها أن الصراع العربي الاسرائيلي لم يعد على رأس الأولويات ، لا أولوية حقيقية ولا أولوية مدّعية. فنحن نشهد نهايات “المدرسة الإيرانية الإسلامية” في هذا الصراع بعد أن شهدنا سابقا نهاية “المدرسة المصرية القومية”. وبينهما تجد “المدرسة الفلسطينية الوطنية”، التي تبنّى جيلُنا شعارٓها حول “الدولة المستقلة” وناضل معها، تجد نفسها يتيمةً ومنسيةً إلا من بعض صداقات بل شفقات ( من شفقة) وزارات خارجية دول غربية… لهذا كان اليمين الليكودي الإسرائيلي واقعياً وأخشى أن أقول “منطقيّا” في تدميره عملية السلام…التي كانت ستدمّرها في ظروفنا الحالية أي حكومة في إسرائيل. تبقى ملاحظة هي أن تراجع القيمة الاستراتيجية لإسرائيل في السياسة الأميركية المتجهة نحو شرق آسيا والتي تهيّئ لمصادر وطرق طاقة جديدة ليس كافياً كي يكون الضغط الأميركي على الدولة العبريّة فعّالاً لجعلها تقبل بحل للمسألة الفلسطينية. فإسرائيل المحاطة إما بدولٍ ضعيفة أو منهارة وفي أحسن الحلات دولٌ مستغرقة في أوضاعها الداخليّة تبقى رصيداً ثابتا وقوياً في حسابات واشنطن.

السابق
مرصد بحنس: لم يتم تسجيل اي هزة ارضية في لبنان
التالي
الوفد السعودي التقى اللواء ابراهيم..ولا رابط بين موقوفي الروشة وفنيدق والقلمون