هل يتكرر سيناريو الحرب الإيرانية – العراقية؟

نشرت “داعش” خريطة دولتها الافتراضية في العراق وبلاد الشام، وتضمّ العراق وسورية ولبنان وفلسطين والأردن، وأعلنت أنها موجودة في سورية (الرقة ودير الزور وغيرها)، وها هي في الموصل وفي الأردن تملك البيئة والحاضنة البشرية، سواء عبر المجموعات الإرهابية التي يحتضنها الأردن لإرسالها للقتل في سورية، أو عبر “الإخوان المسلمين” وبعض الفصائل الفلسطينية.

اما في لبنان فإن “داعش” موجودة بجناحها السياسي في لبنان، والمتمثل بالقوى التي تساندها وتدعمها، وموجودة “داعش” عبر خلاياها المستيقظة من اللبنانيين والنازحين السوريين، وبعض الفلسطينيين. لكن ما هي أهداف اجتياح “داعش” للعراق؟ هل هي مبادرة “داعشية” من الزعيم المفترض الوهمي، أو الواقعي لتنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي، الذي كان معتقلاً عند الأميركيين؟ هل ما جرى انقلاب وتحالف متعدد الجنسيات؛ من العراقيين إلى “داعش” إلى “القاعدة” ودول الإقليم؟ هل ما جرى محاولة أميركية لإشعال الفتنة المذهبية الشاملة وحرب المئة عام التي بشّر بها وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر؟ هل استخدمت السعودية “الفيتو الدموي” لوقف المفاوضات الأميركية – الإيرانية؟ هل ستكرر أميركا سيناريو الحرب الإيرانية – العراقية لإعادة حصار إيران؟

هل تواطأ الأكراد مع المهاجمين لاستغلال الأوضاع وتوسيع دولتهم المفترضة، وسيدفعون الثمن لاحقاً بعد نزوح أكثر من نصف مليون عربي إلى مناطقهم، بعدما عجز صدام حسين عن تغيير ديمغرافيا الإقليم؟ هل أخطأ المالكي بطريقة تعامله وإدارته للخلاف السياسي ولم ينجح في توثيق الوحدة الوطنية؟ ما هو الدور الأميركي في هذا الانقلاب الداخلي والخارجي على الحكومة المركزية في العراق؟ وما هي مكاسب أميركا من ذلك؟ “الغزو الداعشي” للوسط العراقي مناورة خادعة لتبرئة الدور الداخلي للقوى السياسية المتحالفة مع تركيا والسعودية، إذ لا يمكن تصديق القدرة “الداعشية” النووية والخارقة لاحتلال أكثر من 20000 كلم مربع خلال ساعات وانهيار الجيش العراقي والقوى الأمنية، وبشكل دراماتيكي. لقد تم رفع شعار “داعش” لتغطية أعمال القتل الجماعي والاغتصاب والتدمير من قبل فلول البعث العراقي والمخابرات الأجنبية، وذلك لحفظ خط الرجعة للقوى السياسية المتمثلة بالنجيفي والبعث وغيرها في حال فشل الهجوم، وقد استعجلت السعودية إعلان الانتصار ودعوتها لإعادة تشكيل العملية السياسية في العراق وحفظ حصتها وإعلان شراكتها عبر ودائعها السياسية المذهبية. الدور الأميركي واضح ومكشوف لتحقيق الأهداف الآتية: – إعادة احتلال العراق، وبطلب من الحكومة العراقية، لتعويض الفشل الأميركي في سورية. – فتح الباب مجدداً للتدخل الأميركي في سورية بذريعة محاربة الإرهاب في العراق، وملاحقته إلى الداخل السوري، ولحصار سورية من ثلاث جهات (العراق والأردن وفلسطين المحتلة).

– استعادة الساحة العراقية لإضافة أوراق جديدة ضد إيران في ذروة المفاوضات الأميركية – الإيرانية والملف النووي الإيراني. – إعادة التموضع العسكري بالقرب من السعودية لحماية العائلة المالكة وحماية انتقال السلطة بعد الملك عبد الله، وسط خلافات العائلة المالكة والضغوطات الداخلية المعارضة. – تأمين الاحتياط النفطي الاستراتيجي والغاز الخليجي واحتكاره والتحكم به للإمساك بأوروبا، بعد التوتر الروسي الغربي وتهديد مصادر الطاقة التي تغذي أوروبا من روسيا.

أما في حال فشل المشروع الأميركي – “الداعشي” فإن أميركا ستقود تحالفاً دولياً وإقليمياً للتخلص من الجماعات التكفيرية التي صنعتها بتمويل خليجي وفكر وهابي واحتضان غربي، وذلك اتقاءً للخطر الارتدادي الناتج عن عودة التكفيريين العائدين إلى دولهم في الغرب أو في الخليج. قد تلجأ أميركا إلى نقل جحافل المارينز التكفيري إلى مناطق أخرى، سواء في إيران أو في بلاد القوقاز، لمشاغلة روسيا؛ الأعداء الجدد الذين ينازعونها قيادة العالم ويتصدون لمشروعها الأحادي والمطالبة بالشراكة معها.

لقد نجح السيناريو الأميركي بغزو العالم عبر هذه القوى التكفيرية كبديل عن الجيش الأميركي الذي فشل في أفغانستان والعراق وقبلهما في فييتنام، ما شجّع الأميركيين على تعميم استراتيجية التفجير الداخلي للعالم الإسلامي عبر فيروس التكفير وعوارضه الأساسية من الفتن المذهبية والقومية والطائفية ونشر الفوضى الدموية، وصولاً إلى التفتيت والتقسيم، من خلال الوقائع الميدانية التي تستولد نزوحاً مؤقتاً وتغييراً ديمغرافياً طارئاً، ورسم مناطق جغرافية نقية مذهبياً وإثنياً، ووفق استراتيجية إطالة الأزمات، فيتحول الطارئ والمؤقت إلى دائم وثابت، وتنقسم الكيانات والدول الحالية إلى أقاليم مستقلة بعنوان الحكم الذاتي، لرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي بشّر به الصهيوني برنارد لويس وأعلنته أميركا في العام 2006 أثناء الحرب “الإسرائيلية” على لبنان.

“داعش” ليست تنظيماً عالمياً، بل منهج سلوكي ووجهة نظر دينية يتلطى وراءها التحالف الأميركي – الوهابي، ويتظلل تحت راياتها كل مذهبي وطامح للسلطة، أو مضلّل أو متواطئ مع الاستعمار، فهي يافطة مطاطة يختبئ وراءها كل حلفاء أميركا والمعادين لمحور الممانعة والمقاومة في العالم العربي، خصوصا في بلاد الشام.

“غزوة داعش” في العراق ستؤدي إلى انتحار المشروع التكفيري، بالتلازم مع تطاير شظاياه إلى الأردن والكويت والسعودية، ليحصد المدنيين الأبرياء من كل المذاهب والجماعات، ويفرح البعض بوحشية “داعش” ويسمّيها “ثورة شعبية” لأخذ حقوقها المفترضة، بينما يقمع الثورة الشعبية في البحرين، ويرسل “درع الجزيرة”، ويقمع المعارضة الداخلية في بلده، ويمد المعارضة السورية بالسلاح والمال ويغيب عنه أنه سيتلقى ما يفعله بالآخرين، لأن العدالة ستأخذ حق المظلومين من ضحايا النفاق والتكفير.

السابق
الأسد: الإرهاب سيطول الدول الحاضنة والداعمة
التالي
ممنوع تناول الطعام في عبرا