عن الجوائز الأدبية وغياب رعاية الكتاب: مفسدة أم اضطرار؟

دوريس ليسينج
رغم أن الجوائز اﻷدبية مثار جدل دوما، إلا أنه في العالم العربي يكون السند الوحيد المتوفر للكاتب هو الجوائز بغياب جهات حكومية أو ثقافية ترعى الكتاب. في الغرب مثلاً، يخصّص بيل غيتس ملايين الدولارات بشكل منتظم لمساندة الكتاب ودعمهم. لكن ما يحدث في بلادنا هو أنّ الكاتب الّذي ينجح يصبح مكروهاً. وفي حال حصل على الدعم، فذلك ضمن تحويله إلى مثقّف سلطة يخضع لها ويكتب لأجلها وهذا ما حاول مثلاً القذافي تصديره في إحدى محطات حياته.

عندما فازت الكاتبة الإنجليزية الراحلة والإيرانية الأصل دوريس ليسينج بجائزة نوبل، لم تتأثر بالأمر بشكل مبالغ به. كانت عائدة مع ابنها إلى منزلها، تحمل بضع أكياس تبضع. ولمّا أخبرها الصحافيون الّذين انتظروها بالأمر، كانت ردة فعلها غير متوقعة: “أنا لا يمكنني الاهتمام كثيراً… لقد حصلت على كل الجوائز في أوروبا من قبل، كل جائزة لعينة”. أمام إصرار الصحافة، وعدت ليسينج بأن تقول أموراً طيبة عن فوزها لاحقاً.

لكنّ ذلك لم يثنها عن انتقاد نوبل ووصفت المسألة برمّتها بالـ”نكتة”. قالت إنّ نوبل تدار من قبل مجموعة ذاتية تعيد إنتاج نفسها وتهيمن على صنّاع النشر ليتّبعوا أهواء هذه المجموعة. ليسينج كاتبة رائدة لم تؤمن بالهيكلية الاجتماعية الّتي فرضها هذا الكون على الإنسان وربما يعود الأمر إلى جو البيت الصارم الّذي نشأت به. ولا بد من الاعتراف بأنّها بالغة الشجاعة لتتمكّن من انتقاد جائزة عالمية بعد فوزها بها. ولا بدّ من أنّ إجابتها آنذاك تدعو إلى التفكير بالجائزة الأبرز في العالم على الإطلاق، وإذا ما كانت فعلاً مجرّد مكافأة للكتاب على مجهودهم خلال سنوات طويلة أم أنّها خاضعة للنظام العالمي وتغيّراته وظروفه.

تجدر الإشارة إلى أنّ الجوائز الأدبية كلّها تفرض معياراً ما. إذ لا بدّ أن تكون الأعمال المنشورة على مستوى معيّن لكي تتمكّن من الوصول إلى التصفيات أو دائرة الترشيح. لكن ربما ما يقرّر الرابح النهائي ليس فقط المعيار الأدبي الصارم. فهذا المعيار متعلّق بالذائقة الأدبية وليس له خصائص محدّدة. وربما يكون اختيار نوبل متعلّق بظروف جغرافية وسياسية ضمن هذا المستوى النخبوي الذي لا خروج عنه. الجوائز الأدبية في العالم العربي حديثة نوعاً ما مقارنة مع الغرب الّذي فيه جوائز عديدة ومختلفة، ربما لاهتمامهم أكثر بالآداب والفنون.

ولا يمكن إنكار أنّ الجوائز الأدبية تشكل دفعاً للكتابة أحياناً وتنقلها من دائرة اللا إعتراف والتهميش إلى دائرة الضوء والمكافأة. وبالتالي تخلق تفاعلاً مهمّاً للدفع بالكاتب إلى دائرة الضوء. الجوائز في هذا الإطار مفيدة للكاتب وأيضاً للناشر ولتسويق الإنتاج الأدبي. ولكن هل لكل هذه الأمور علاقة بالكتابة الفعلية؟ تبقى كلّ هذه المواضيع بعيدة عن جوهر الأدب وجوهر السبب الّذي نكتب لأجله. وليس الأدب ما نبحثه الآن. ما نبحثه هو ظروف الإنتاج. إذ يكون السند الوحيد المتوفر للكاتب هو الجوائز من دون توفّر أيّ جهات حكومية أو ثقافية أدبية ترعى الكتاب. في الغرب مثلاً، يخصّص بيل غيتس ملايين الدولارات بشكل منتظم لمساندة الكتاب ودعمهم.

لكن ما يحدث في بلادنا هو أنّ الكاتب الّذي ينجح يصبح مكروهاً. وفي حال حصل على الدعم، فذلك ضمن تحويله إلى مثقّف سلطة يخضع لها ويكتب لأجلها وهذا ما حاول مثلاً القذافي تصديره في إحدى محطات حياته. في الغرب أيضاً تقدم الحكومات والتجمعات اﻷدبية منحا إلى الكتاب ليتفرغوا لمشروعهم الأدبي مثلاً وهذا تقريباً غير موجود في العالم العربي. هذه الهيكلية جزء من الأنظمة العربية السياسية والاجتماعية البائسة. وإلى أن يتغير الوضع يوماً ما، سيبقى على الكاتب أن يعيش انفصامه بين الحياة العادية وتوترها وبين المساحة الخاصة الّتي يريدها لأدبه. هذا إن تغيّر.

السابق
غريب يعلن الإضراب العام والشامل يومي الاثنين والثلاثاء
التالي
توقيف مراهق قتل طفلاً بعد اغتصابه في حلبا