سيكولوجيا الفتاوى

تعد بعض الفتاوى المعاصرة ظاهرة لا يمكن تجاوزها في مرحلة التذبذب ما بين الحضارة واللا حضارة في عوالم العرب والمسلمين، وقد نفهم من بعض الفتاوى في كثير من الأحيان سيكولوجيا الشعوب العربية بمختلف أطيافها وأوطانها، بل قد تعطي صورة واضحة عن طريقة تفكير واهتمام الناس في تلك البلدان، وسأحاول المرور على بعض الفتاوى الأخيرة، التي قد تمتاز بالخصوصية الثقافية للجغرافيا والتقاليد والأحوال الاجتماعية والسياسية، وإن كنت أتحفظ كثيراً على علاقة هذه الفتاوى بأحكام الدين الحنيف، وقد أعتبرها حالة اجتماعية وسياسية تعبر عن مزاج الشارع، وتختلف باختلاف طبائع المجتمعات، وقد تدخل في سلطة الأخلاق المستمدة من التقاليد والسلوك الشعبي.

في مصر انتشرت فتاوى عدة كان آخرها جواز عدم وجوب الدفاع عن العرض إذا ظن الزوج أنه سيقتل على يد المعتدين الذين يريدون الاعتداء على زوجته حفاظًا على حياته، وفتوى أخرى تجيز بصحة وقوع الطلاق عن طريق الرسائل بالهاتف المحمول، أو الاتصال هاتفيا، وأفتى آخر بجواز ترقيع البكارة سراً، دون إعلام الرجل الذي تتزوج منه، وأن ذلك ليس غشاً، ولكن ستراً، بالإضافة للفتوى المصرية الشهيرة بجواز إرضاع الكبير، والفتوى التي تجيز للخاطب رؤية ما يشاء من المرأة قبل الزواج، وكان آخر الفتاوى المصرية السياسية جواز قتل المعارضين السياسيين، و أخرى تجيز حرق الإخوان.

في السعودية تشترك بعض الفتاوى بمفردة تحريم، منها فتوى تحرم سفر المسلم إلى الدول الغربية، وأخرى تحرم السفر إلى دبي، هذا بالإضافة إلى سلسلة من الفتاوى التي تحرم تكحيل العيون خارج البيوت، وتحرم عمل المرأة، وتحرم إهداء الورود الحمراء، وتحرم على النساء ارتداء الشماغ، وتحرم زواج النساء من سائقيهن، وكان من الفتاوى تحريم مشاهدة بعض القنوات، ومن أغرب الفتاوى التي تستخدم لفظ «الجواز»، تلك التي تبيح أن يدفع المسلم للموظف المسؤول عليه مبلغا من المال مقابل ترقيته، وأخرى تجيز الإخصاء الكيميائي لردع المتحرشين.

في العراق وبلاد الشام كانت الفتاوى تدور حول ما يجري في تلك البلاد من أحداث جسام، كان آخرها فتوى عراقية تجيز القتال إلى جانب الأسد، وأخرى تجيز قتال القاعدة، وقبل ذلك الفتوى التي تجيز قتال الأمريكان، ويدخل في نفس المنوال الفتوى التي تجيز الاقتتال الطائفي في انسجام تام مع الفتنة العراقية، وتجيز الجهر باللعن، وأخيرا صدرت فتوى تجيز قتل رجال الجيش، وفي سوريا صدرت فتاوى تحرم الخروج على بشار الأسد، وأخرى تجيز أكل لحم القطط والكلاب بسبب المجاعة، وأفتى آخر بجواز امتلاك الرجل لخمسين امرأة ومضاجعتهن، وفي لبنان صدرت فتوى بقتل اللاجئين السوريين، وفتوى تجيز الانتقام من رجال الجيش، وفي الأردن صدرت فتوى تجيز للمسلمين من خارج العالم الإسلامي زيارة القدس.

في المغرب العربي، صدرت فتوى تجيز شرب المرأة المتوحمة للخمر، إلا أن المفتى استدرك توضيحا أن هذه الفتوى تخص المرأة التي دخلت الإسلام متأخرة، وصدرت فتوى تجيز الاختلاط بين النساء والرجال في المساجد، ومن غرائب الفتاوى المغاربية فتوى تجيز الجماع مع جثة الزوج المتوفى، وصدرت فتوى مغاربية تجيز التبرع بالأموال «المشبوهة» إلى المشروعات الخيرية في البلاد، كان من أغربها أيضاً فتوى تجيز الاحتكاك بين المرأة والرجل في الحافلات في رمضان، وأنه لا يفسد الصيام حتى لو نتج عنه قذف، وفي ليبيا صدرت فتوى تحرم الفيدرالية، وطالبت سجينات ليبيات بفتوى تجيز لهن الانتحار، وصدرت فتاوى في ليبيا تجيز قتل أنصار القذافي.

وفي اليمن كانت الفتاوى قليلة عند مقارنتها بالبلاد الأخرى، كان من أشهرها فتوى تشبه المبيت في ساحة التغيير أثناء الثورة بالمبيت في منى والمزدلفة، وذلك رداً على فتوى تحرم الاختلاط في ساحة التغيير، وصدرت فتوى تحرم زيارة الأهرامات، وصدرت أخيراً فتوى حوثية تجيز مالك وعرضك في حال خالفت الجماعة.

تلك مجموعة من الفتاوى التي قرأتها وتم نشرها في وسائل الإعلام، ولا أجزم بصحتها، ولكن تم تداولها بشكل كبير، وأقدم اعتذاري للقارئ، إذا شعر بنوع من المرارة عند قراءتها، لكن في نهاية الأمر، يظل الإسلام العظيم بتاريخه وأصوله ومبادئه الخالدة بريئا منها، والله على ما أقول شهيد.

السابق
نديم قطيش: حظوظ العماد عون الرئاسية اعلى من حظوظ جعجع
التالي
اعتصام لأهالي مخيمي البارد والبداوي أمام مكتب الأونروا