درس للبنان

عُقدت ثلاث جلسات برلمانيّة في لبنان لانتخاب رئيس للبلاد. لكن بحلول الجلسة الثالثة والأخيرة، بقيت الرئاسة أسيرة التردّد البرلمانيّ. وإن لم يُنتخب رئيس بحلول 25 أيار/مايو ـ وهو احتمال وارد جداً ـ فستتولّى حكومة الرئيس تمام سلام مهامّ الرئاسة.
وعندما ننظر إلى هذه المماطلة (أو بالأحرى المراوغة)، نتذكّر أنّ السياسة الطائفيّة تحمل في طيّاتها بذور الشلل السياسيّ.
مع ذلك، تعارض النخبة السياسيّة في لبنان تغيير النظام الطائفيّ للسماح بإصلاحات دستوريّة جديّة وضروريّة، والاستجابة لمطالب الأجيال اللبنانيّة الشابّة، وإفساح المجال للمجتمع السياسيّ المنفتح الذي غاب عن لبنان لعقود كثيرة.
وفيما يُفترض أن يكون الرئيس مارونيّاً، يبدو اختيار رئيس من بين الزعماء المارونيّين معقّداً بسبب الاستقطاب السياسيّ بين تحالف 14 آذار بقيادة سعد الحريري وتحالف 8 آذار بقيادة الجنرال عماد عون.
ويبدو الاستحقاق الرئاسيّ الآن عالقاً بين مرشّحين اثنين هما ميشال عون وسمير جعجع. وللأسف، لم تبرز حتّى هذه اللحظة أيّ مرشّحة أنثى. ولا يستطيع أيّ من هذين الرجلين الفوز بغالبيّة برلمانيّة. وبالتالي، يبرز خياران اثنان. يمكن التوافق على زعيم مارونيّ من خارج الكتلتين، كالناشط في المجتمع المدنيّ زياد بارود أو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وهناك أيضاً العماد جان قهوجي. إذا تمّ التوافق على أيّ من هؤلاء، فقد يصبح للبنان رئيس جديد بحلول 25 أيار/مايو.
يبدو لي أنّ النخبة السياسيّة التقليديّة في لبنان لم تستقِ أيّ عبر من التجارب المأساويّة التي تسبّبت بها الأنظمة الطائفيّة. فالضرر الذي تلحقه هذه الأنظمة بمفهوم المواطنيّة وهويّتها يحوّل لبنان إلى خليط من مذاهب متعدّدة، بدلاً من أن يكون جمهوريّة مواطنين.
وفيما يبدو أيّ تحوّل كبير مستبعداً حاليّاً، يستطيع رئيس مارونيّ جديد ومستقلّ وعلمانيّ أن يبدأ عمليّة تحويل لبنان إلى بلد مواطنين.
قد نشهد في الأسابيع القليلة المقبلة توحيداً لجهود العلمانيّين الذين لا صوت لهم بهدف إنهاء الاستقطاب ودعم مرشّح رئاسيّ نيّر (مارونيّ طبعاً) يستطيع أن يمهّد الطريق لبناء لبنان ديموقراطيّ ومشرق.
في حال عدم حصول ذلك، قد يبقى عدد كبير من اللبنانيّين، خصوصاً في صفوف الأجيال الشابّة والنساء والمجتمع المدنيّ والمهاجرين، مهمّشاً. ومن شأن تمكين تلك الفئات أن يضمّد جراح الجسم السياسيّ اللبنانيّ الناجمة عن الطائفيّة.
أدرك أنّ البعض قد يجد ذلك غير واقعيّ، لكني أشعر بقلق كبير عندما أقرأ ما كتبه معلّق لبنانيّ بارز عن «شعوب لبنان»، وكأنّ كلّ طائفة تشكّل شعباً منفصلاً. فطريقة التفكير هذه أدّت إلى حروب أهليّة طويلة في لبنان لا تزال تضعفه.
يستحقّ لبنان مستقبلاً مشرقاً. فليكن الجمود الذي يشهده اللبنانيّون اليوم الدافع لنسأل لماذا عانوا في سجن النظام الطائفيّ.

 

السابق
ريفي اتصل بالصحافية غدار مستنكرا تهديدها
التالي
’ضوء أخضر’ سعودي بالسفر إلى لبنان